تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الذين كفروا القائلين بأن علة قتل الكفار هي المحاربة، قد غلطوا غلطا شنيعا، والواجب عليهم التوبة، ذلك أن التكفير في مثل هذه المسائل، من البدع المنكرة، وكبائر الذنوب. وصنيعهم في تكفير المخالفين لهم، يتناوله حديث (إذا قال الرجل لاخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحديث (إذا قال الرجل لاخيه يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله) رواه مسلم من حديث الثابت بن الضحاك. وينبغي أن يعلم أنه ليس كل من يخطىء في مسائل الاعتقاد، يكفر، بل قد يكون كافرا متردا تارة، وقد يكون مبتدعا ضالا تارة، وقد يكون مخطئا آثما تارة، وقد يكون مخطئا مأجورا أجرا واحدا تارة، وإنما يعرف الفرق يبن ما يحكم فيه بالردة ومالا يحكم بردة قائله، أهل العلم الراسخين، والواجب الاحتياط البالغ في هذا الباب، لان الخطأ فيه مزلة عظيمة والله المستعان. وقد تنازع العلماء في بعض مسائل الحكم بالردة، ولم يكفر بعضهم بعضا، بل عذر بعضهم بعضا. فليتق الله هؤلاء الذين يتجرأون على تكفير من يخالفهم، بغير حق قبل أن يَضلوا ويُضلوا. وأما الجواب على ما اختلفوا فيه، فنضع هنا جوابا عاما يفي بالمقصود إن شاء الله تعالى، فإن حصلت إشكالات أخرى، فأرسلوها لاحقا بارك الله فيكم.

الصحيح أن علة قتل الكافر كونه يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله تعالى، وليس كفره فحسب، وهذا يقتضي أمرين:

أحدهما: أن نكون نحن في حال إعلان الجهاد لإظهار الدين، وهذا لا يشرع إلا إن ترجحت مصلحة الجهاد، بأن يغلب على الظن تحقيقه لهذا الهدف،أعني ظهور دين الله وإعلاء كلمة الله.

أما إن كان يغلب على الظن أن القتال يأتي بعكس المقصود، كما نهى الله تعالى عن القتال في أول ظهور الإسلام في مكة، فيكون حينئذ الإعداد هو فرض المرحلة.

ولايجوز جعل إعلان الجهاد، منوطا بكل شخص، بل يرجع فيه إلى طائفتين، أهل العلم بالشرع وأهل المعرفة بالحرب، ممن لهم في هذين الشأنين قدم راسخة ومعرفة كافية.

الأمر الثاني: أن الكافر الذي لاشأن له في ممانعتنا في جهادنا لإظهار الدين، لا يقتل.

وبهذا يعلم أن من يجيز قتل الكافر على الإطلاق، حتى لو لم يكن الجهاد قائما، لعدم ترجح مصالحه.

وكذا من يجيز قتل الكافر الذي لاشأن له في ممانعة جهاد المسلمين لو كان الجهاد قائما، قد أخطأ خطأ شنيعا.

وينبغي أن يعلم أن كثيرا من الكفار، يعارضون القتل والقتال مطلقا، ويعتقدون أنه لا يحل في حال من الأحوال، ويعارضون حكوماتهم في كل الحروب، وفيهم من اليهود والنصارى وغيرهم من الملل، وهذا كثير في هذا العصر، وهم أشبه شيء بالرهبان الذين نهينا عن قتلهم في الجهاد مالم يعينوا على قتالنا، هذا في حال الجهاد، فكيف مع عدمه.

وقد ذكر شيخ الإسلام كلاما حسنا في هذا المعنى أنقله هنا بتمامه، لما فيه من الفوائد العظيمة، ومن تأمله انحلت عنه كثير من الاشكالات في هذا الباب إن شاء الله تعالى:

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله:

والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنة: أكثر من أن يحصر. ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ومن الصلاة التطوع والصوم التطوع.

كما دل عليه الكتاب والسنة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم {رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد}.

وقال: {إن في الجنة لمائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله} متفق عليه.

وقال: {من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار} رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم {رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه. وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان} رواه مسلم.

وفي السنن: {رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل} وقال صلى الله عليه وسلم {عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرص في سبيل الله} قال الترمذي حديث حسن.

وفي مسند الإمام أحمد: {حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير