تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا سماحة المفتي، ومعالي الدكتور الشيخ صالح الفوزان؛ فإنه كما يهزني حديثُهم فأشتدُّ حسرة، وأكاد أبصق على لحيتي، وأقول في نفسي: كيف قضيت حياتك وقضى هؤلاء حياتهم؟ .. وهكذا شيخي عبدالعزيز الداود متعه الله بالصحة والعافية على نُدْرة لقائي له تدمع عيني من حديثه العادي لورعه وعلمه وبعده عن الفضول .. اللهم إني أحبهم في الله وكفى بالله عليَّ حسيباً، وتحسُّري بجانبهم إنما هو غِبطة مأجورة وليس حسداً مأزوراً .. وكم قرأتُ وقرأتُ مما يُلْقونه ولكن الذي استجدَّ التأثر والانفعال .. ثم راجعتُ ما أنا فيه من ميل فكري، وغربلتي مسألة واحدة وإن جهلت عشر مسائل؛ فما رأيتُ الفكر عيباً، ولا التحقيقَ مثلبةً، ولكن بشرط الاستيعاب ونزاهة القصد، وتحرِّي مراد الله، والبُعْد عن الحميَّة لمذهب أو إِلْف أو عالم بعينه أو ابتغاء السمعة والشهرة؛ فآليتُ على نفسي أن أصدع - حيثما تسمح الظروف - بما أعتقده حقاً لا تأخذني في الله لومة لائم .. مُصْغِياً إلى ما عند معارضي من حق، وأن أبتعد عن شهوة الجدال غير المشروع؛ فأعرض عمن يتكلم بغير علم، أو من يتحدث بعلم غيره لا بتحقيقه هو، ولا أشْتَدُّ في النزاع، بل أُبَيِّن وجهة نظري وبراهيني، وكل واحد مؤتمن على ما استقر في نفسه عن علم وبرهان إلا ما يتعلق بتقديس الرب سبحانه من تعطيل أو تشبيه، وما يمس جوهر الديانة في ثبوتها وحجيتها وأنها من عند الله، وما يتعلق بكيان أمتي تاريخاً ولغة ورقعة؛ فهذا لا مساومة فيه ألبتة (10)، ولا مسامحة في الحقائق. ولي تجربات نفسية قبل الإنابة وبعدها هي أكبر برهاناً من براهين العلماء الربانيين والمتكلمين والفلاسفة على الإيمان بالله الكبير المتعال بصفات الكمال المطلق .. عرفت بها ربي وأحببته مع غفلتي, وعلمت أنني بين يدي قدير رؤوف بالعباد لا تخفى عليه خافية ولا يعجزه شيء، وأحببت من جرَّاء ذلك أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام وعباده الصالحين وشرعه .. ووجوه ذلك البرهان لا أحصيها، ولكنني أذكر ما يعنِّ لي؛ فمن ذلك أنه يمرُّ بي ما يمر بالآخرين من هموم زوجية أو عائلية أو عقوق ولد أو ضائقة مالية أو ظلم اجتماعي أو ما يتنافس فيه الناس من حظوظ الدنيا التافهة التي لا تستحق أن يرفع بها المسلم رأساً .. وهذه الأمور إذا حزبت يحدث بها انتحار في عالم الكفر، وعند من ضَعُف يقينه وإيمانه؛ فيا غوثاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، فاللهم عصمتك؛ فلا ملجأ منك إلا إليك .. أعوذ بوجهك الكريم من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وجهد البلاء، وأسألك حسن الخاتمة؛ فإذا حزبتني هذه الأمور وأنا فرد وحيد ضعيف بنفسي .. ضعيف برهطي: فإنني أَفِرُّ إلى ربي بإحسانِ وضوءٍ وصلاة، وعند مضجعي أريد النوم, وفي أوقات الإجابة، وربما لازمت الأماكن المقدسة كالحرمين الشريفين؛ فأستمطر رحمة ربي بتسبيحه وتقديسه واستغفاره، وربما طال انتظاري النوم من الهم في مضجعي؛ فيأخذني النوم على غرة بعد ما لا أحصيه من تهليل وتحميد وتسبيح وتكبير ودعاء .. وفي الصلاة مثل ذلك، وأُقدِّم بين يدي ذلك الدعاء بأن يكون ما أنعم الله به عليَّ من صحة ونشاط ورزق وفراغ وعلم عوناً لي على طاعته, وأن لا يكون استدراجاً, وأستقيل ربي من ذنوبي معترفاً باستحقاقي العقوبة، وأسأله الرحمة قائلاً: (عافيتك يا ربي أوسع لي)، وأعلم أنه لابد من ابتلاء المسلم وامتحانه من ربه؛ ليظهر لجنده الكرام صدق إيمانه؛ فإن أصابني شيىء بذنبي ألححتُ في الحمد والشكر بأن جعل إصابته مني على قدر تحمُّلي؛ فإن حصل لي طُمأنينة عرفتُ أن ذلك بشرى وانتظرت الفرج؛ فإن لم أجد لعبادتي طعماً، ولا حضورَ قلب، ولا بشرى طمأنينة: علمت أن الله مُعْرِضٌ عني، وأن عملي مردود؛ فأنسى ما حزبني من الأمر, ويحزبني ما هو أدهى من ذلك من خوفي من الطرد والرد, فأعاود دعاء الغنيِّ الحميد الحَييِّ الكريم الذي لا يردَّ يدي عبده صفراً إذا رفعهما، وأُلح بدعاء علَّمني إياه أبي في الصغر مع ما غذَّيته في وعاء قلبي بالتعلم .. وكنت تعلمت من أبي رحمه الله - وهو رجل شبه عامي - دعاءً غير مأثور، وهو أن أقول إذا استعجم لساني ما قالته الجارية: (ربي إني لقيتك سوادي وأنت تعلم ما في فؤادي)، وربما سبق إلى خاطري سهواً بعد أن استبدلته بالدعاء المأثور، ولقد نفعني الله به على الرغم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير