تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من أنه غير مأثور؛ فهو دعاء مجرَّب نفع الله به العوام؛ لضعف تعبيرهم، وقلة تحصيلهم العلمي، وأحسبهم خيراً منا وأزكى على عاميتهم؛ فألح في الدعاء، وأتخلله بما سمَّاه العلماء بالباقيات الصالحات - وهي تسبيح معيَّن -، والحق أنها نوع من الباقيات الصالحات وإن قال بتعيينها بعض العلماء لورود أحاديث بذلك، وألَّفوا في ذلك الكتيِّبات .. والصواب من القول ما ذهب إليه الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: أن الباقيات الصالحات كل عمل خيرٍ من واجب ومندوب يُقَرِّب إلى الجنَّة؛ لأن هذا هو عموم مقتضى سياق قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} (سورة الكهف - 46)، وقوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً)} (سورة مريم - 76)؛ فكل نية صالحة، وقول صالح، وعمل صالح بنية العبادة لله وحده سبحانه يُقَدِّمه المكلَّف لآخرته؛ فيكون خيراً له أملاً وخيراً له مرداً: فهو موصوف بضرورة اللغة بأنه من الباقيات الصالحات .. والأحاديث التي ذكرت الباقيات الصالحات مُعَيَّنة في التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل: محالٌ في دين الله بضرورة الشرع أن تنفي صفة الباقيات الصالحات عما هو صالحٌ آخَرُ كالصلوات والصوم والزكاة الواجبة والصدقة المستحبة وإكرام الضيف والجار وصلة ذوي القربى وإطعام الطعام وإفشاء السلام؛ فصحَّ أن تلك الأحاديث تعني ما هو من أنواع الباقيات الصالحات .. كما كنت أتخلَّل الدعاء باللجوء إلى الله، والبراءة من الحول والقوة، والاستعاذة من مقته وغضبه وسخطه ومكره، وهو جل وعلا خير الماكرين لا يمكر إلا بمن مكر به وحادَّ شرعه؛ فأول برهان لي على أنني في عناية رب كريم غني حميد لا يعجزه شيىء زوال الهمِّ عني؛ فلا أعبأ بما حزبني، ولا أحزن على فائت، ولا أخاف من آت إلا لقاء ربي الكريم ما دمتُ سليم الأديم والإدراك، فإذا عجزتُ فليس لي إلا حسن الظن بربي، والله يلهم عبده في الضراء نتيجة إيمانه في السراء .. وأظل في أنس وابتسام ضامناً الفرج من ربي وأنا لا أعلم كيف سيكون عليه الأمر، ولكنني بانتظار الفرج يقيناً؛ فيأتي الفرج بأسهل الأسباب، ولا أحصي المرات التي حصلتُ فيها على بشرى من ربي طمأنينة، وعلى فرج بقضاءٍ كوني من ربي رحمةً منه؛ فأُحِسُّ الوجدانَ في قلبي محبةً وشوقاً وشكراناً لما أولاني إياه مع ضعفي وتقصيري، والله يرحم عبده المضطر اللاجئ إليه مهما علم العبد من نفسه من شنيع الذنوب .. ولولا خوف الحِنْث من غياب شيىء لا أعلمه لأقسمت بالله أن مثل هذه التجربة النفسية دلتني على ربي أكثر مما كنت أحذقه من البراهين الفكرية العلمية حتى لكأني أرى ربي بعين قلبي رعاية ولطفاً ورحمة وعلماً كما قال حملة العرش عليهم السلام فيما قصه الله عنهم بقوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (سورة غافر - 7)، وكما قال سبحانه عن إبراهيم الخليل عليه السلام: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} (سورة الأنعام - 80) .. مع أنني أقلُّ من الجُزْءِ الذي لا يتجزَّأ عند الفلاسفة في كون ربي الوسيع العريض؛ فخيَّب الله المعتزلة الذين لم يقدروا المولى الجليل حق قدره، وقالوا قبحهم الله: (إن الله لا يعلم الجزئيات)؛ فسبحان المولى الكريم (عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته)، السميعِ نداء عبده الضعيف في ملكوته الواسع العظيم الذي لا تبلغ كنهه الظنون .. ثم يعتريني غفلة وتقصير وكثرة دعابة ومزاح إلا أنني اعترافاً بفضل ربي وتحديثاً بنعمته لم أفقد في حياتي - والله المستعصم فيما بقي - شيئاً من يقيني القلبي؛ فأعود إلى ربي بالاستغفار والتمجيد؛ فيعاودني باللطف والرحمة .. إن من شرع الله ما هو خبر يُصدَّق به على ظهر الغيب من قِبَل المؤمن، ويُكذِّب به مَن كفر، ولكنَّ وجدانَ آثاره في نفس المؤمن برهانٌ عظيم على معرفة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير