تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المقالة على هذا الرابط: الجزيرة - الآن اكتشفت نفسي ( http://www.al-jazirah.com/125868/ar6d.htm).

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 Nov 2009, 02:54 م]ـ

الآن اكتشفتُ نفسي (2 ـ 3)

قال أبو عبدالرحمن: مع المقاومة العنيفة التي أسلفتها للوسواس الخناس فإنه لا ينقطع عني عدو الله كأنه رجل عن يساري يحاورني .. تارة يشككني في ديني؛ فإذا قلت في سجودي الدعاء المأثور الصحيح: (اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)؛ قال لي: (أما تخاف الله تستعيذ من ربك؟!)؛ فأمازح عدو الله، وأقول: (شكراً يا عدو الله على هذه النصيحة الإيمانية)، ثم أعيد هذا الدعاء أكثر من مرة بتصميم، وأُعْقِب ذلك قولي:

(سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رب الملائكة والروح .. اللهم لك الحمد ولك الشكر يا ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)؛ فيخنس عدو الله، ونفسي ترتاح لهذا الدعاء؛ لأن الله سبحانه كذلك سبوح قدوس مهما كفر به الجاحدون، ثم أُتبعه بتسبيح لساني؛ فأقول: (سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح .. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) .. وتارة يدخل عليَّ العجب والرياء؛ فيوسوس في صدري: (ليت ذلك الوجيه أو الزعيم يشهد عبادتك؛ فَيَعْظُمُ جاهك عنده!!)، أو (لقد أديت عمل المحسنين!!)؛ فينطلق لساني بسبحان ربي الغني الحميد له الفضل والمنة إذ هداني، وله الحمد في الأولى والآخرة، وأي غَناء (1) لي عند ذلك المخلوق وفقره إلى ربي كفقري؟ .. ومرة أُشير بأصبعي إلى قلبي كناية عن علم ربي بما في قلبي، ومرة أحرك رأسي تسخُّطاً من هذه الوسوسة، وكل ذلك النطق والحركات تأتي تلقائياً من غير قصد .. وتارة يُلَبِّس عليَّ عدد الركعات؛ فصرت إذا ختمت سجوداً بمثل (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) ختمت السجود الآخر بمثل (اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)؛ فأعلم عدد الركعات بسيما الدعاء في آخر كل سجدة .. وفي الركعتين الأوليين أعرفهما بطولهما وختامهما، فأختم الأولى بمثل (سبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة)، وأختم الثانية بمثل (اللهم إني لك ركعت، ولك أسلمت .. إلخ)، وهكذا وهكذا .. وتارة تزدحم في قلبي الأدعية التي أريدها في السجود أو في الجلوس للتشهد الأخير فأنساها، فأبقى صامتاً لا أستحضر شيئاً؛ فصرت أَكيدُ عَدُوَّ الله بالأناة والتمهل، ولا يكون ببالي أن أستكثر من الأدعية، فينثال عليَّ ما أريده من الدعاء والتقديس بلمة مَلَك كريم .. وكنت ألتذُّ بجهاد عدو الله، وأراه من لُبِّ العبادة؛ فصار يضعف كيده لي على المدى؛ فهذه تجربة نفسية أخرى هي برهان على صدق خبر الله سبحانه عن وسواس خناس ليس في قبضة حسنا .. وعن ممازحتي حتى لعدوِّ الله أسجِّل ظاهرة في حياتي، وهي أن الله فطرني على حبِّ الدعابة والنكتة ولو على نفسي، وأجد بعد ذلك سروراً ونشاطاً، ولقد كنتُ أَرْقي قريباً لي شديداً قوياً يستطيع أن يقبض عليَّ ويهشِّم أضلاعي بقبضة يده الشمال، وكان ينفر من القراءة، فأضمُّه إليَّ من كتفه الأيسر، وأزجره .. والله سبحانه سخَّره لي كما سخر الإبل، وكنت أحاور نفسي: (كيف أقاوم هذا الجند من جنود الله)، وقبل أن أنفث عليه بآية توقَّفتُ عندها إذْ أنا أنفث سهواً بقوله تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (13) سورة الزخرف، وليست هذه الآية مما يُرْقى به، ولكنه تداعي الخواطر .. وإذا كنتُ في وِردي أسبِّح أو أتلو قرآنا لازمني الخناس الوسواس؛ ليشوش عليَّ في ضبط كلمات الورد وأعداده، وينقل فكري عن الاتعاظ بمعاني التلاوة؛ فأنفث عن شمالي وأتعوذ من الشيطان الرجيم، فيخنس ثم يعود بعد قليل، ومن ثم تأتي الممازحة؛ فأقول هامساً: (كأنك استحليت البصاق!! .. خذ هذه، وعندي لك كنوز من التفلات .. فيخنس مدة أكثر ثم يعود، فأهمس له: خذ ثالثة .. وهكذا دأبي معه حتى يخنس مدة طويلة .. وكنت أحس بعيان كالشمس لذة العبادة وطعمها، وعكس ذلك أحس بوحشة أشعر فيها بإعراض الله عني؛ لذنب ارتكبته، أو لكلمة لم ألق لها بالاً، أو لمجاملة مخلوق في أمر ديني، أو لسمرٍ مع بعض الأحباب ارتفعت فيه الكلفة؛ فكثر اللغط واللمم؛ فأول ما أحسه غلبة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير