تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النوم عن فريضة أو نافلة، ثم قيامي لإحداهما بتثاقل وكسل، ثم أداؤها بغفلة وعجلة؛ فلا أحس للعبادة والتلاوة طعماً ولا خشية؛ فأعلم أن ذلك إنذار بالطرد والحرمان؛ فألجأ إلى الدعاء، وأستحيي من ربي في عدد من الفرائض أو النوافل فلا أدعوه في حوائج دنياي؛ وألح على الاستغفار والتسبيح والتهليل والاستعاذة والبراءة من الحول والقوة إلا بالله؛ فيعود إليَّ إيماني، ويذهب خجلي، وربما أغمضت عيني في السجود، وذلك مكروه من فعل اليهود ولكنه عمل غير إرادي، وربما قبضت على أصابعي أو اتكأت بها على الأرض أو الصدر بشدة كما يعتري من يخجل، وما هي إلا بضع صلوات فأجد حلاوة العبادة، وينطلق لساني بما أرجوه من ربي في دنياي .. ومرة تأخر نومي، وقلقتُ، فألحفت في الاستغفار بلساني مرة وبقلبي مرة حتى بلغ استغفاري فيما أظن أكثر من ألف مرة، وأكثرت من التهليل والتسبيح والتحميد، وألظظت ب (يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام) والحديث ضعيف، ولكنه نافع بالتجربة؛ فأخذني النوم سُويعات قليلة، ثم قمت مبكراً، ودعوت دعاء اليقظة، ثم أحسنت الوضوء، ثم وقفت على باب يطل على مزيرعة صغيرة في البيت فقرأت آخر سورة آل عمران ابتداءً من: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ... }؛ فما مر بحياتي قط على الرغم من إرهاقي وقلة نومي أبرك من ذلك اليوم؛ فقد قضيته في نشاط عظيم على ما شاء الله من شؤوني، وأنجزت أعمالاً كثيرة دينية ودنيوية وما نمت إلا بعد العشاء الآخر .. وأشفقت في هذه السنوات من أن أكون فررت من طرب إلى طرب؛ فكنت يومياً لا آنس إلا بتلاوة الحفلات التي يعتريها شيء من المحدثات، فأستمع إلى تلاوة الحفلات لعبدالباسط والطبلاوي والشيخ محمد رفعت رحمهم الله، وكان التذاذي بجمال الصوت، فدبلجتُ بعض الأشرطة، وأخليتها من صفير السِّميعة، وكان أحبهم إليَّ الشيخ محمد رفعت رحمه الله، وكل تلاوته حفلات، ولم يُحفظ تسجيله للقرآن كاملاً، وكان صوته جميلاً، ويزداد جماله باتكائه على مخارج الحروف، وطولِ نَفَسَه، وما في نغماته من تحزين، وإسراف في المدود حتى شابها شيء من المقامات العراقية (2)، وذلك في أدائه الأذان أظهر، وتلذذت بكلام الله، ولكن التذاذي بالصوت الجميل أكثر؛ فقلت في نفسي: (هذا فرار من طرب إلى طرب)، ومع هذا كنت أستمع إليه كلما صدئت، وأُقاطعه باستماع إذاعة القرآن حتى يأتي ما لا يعجبني فأخفض الصوت؛ فوجدت تأثري بالتلاوة أعظم؛ لأنه لا يبث في الإذاعة إلا أداء شرعي للتلاوة الكريمة .. ثم كانت لي تجارب مع بعض المشايخ الفضلاء كشروح سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله للمنتقى للجد ابن تيمية رحمه الله، وكتعليقات الشيخ صالح الفوزان على كتاب للإمام ابن تيمية (3) رحمه الله تعالى .. وكانا يُلقيان كلامهما على كبر، وتكاد تخرج الحروف من مخرج واحد كما أفعل أنا لما أدركني الكِبَر؛ فأدركني خشوعان وخشيتان معاً:

أولهما: التأثر بالنصوص نفسها، وليست غريبة عليَّ، وطالما قرأتها وقرأت شروحها، ولكن التفاعل مع معانيها لم يحصل في عمري بمثل تلك اللحظات.

وثانيها: التأثر بشخصية الملقين أنفسهم: كيف فنيت أعمارهم في طاعة الله عملاً وعلماً نافعاً، وكيف قضيت عمري رادحاً (4) فيما تعظم الندامة عليه إن لم يتداركني ربي برحمته وعفوه؟؟! .. وكنت أدعو ربي أن يخلف عليَّ ما مضى من عمري بثمالة مُنيبة صادقة؛ فإذا اطمأننت وحصلت لي سكينة عاودني الندم، وقلت: أي شيء بقي مني أعوِّض عنه ما فات: أفي بقية عمر صلاتي في بيتي أكثر من صلاتي مع المسلمين جماعة؛ لما أعانيه من آثار المليِّنات بسبب الإمساك الشديد والدزنطاريا المزمنة المتكيِّسة، فإذا تركتها لم أصبر على الجوع؟!، أو في بقية عمر نومي فيه أكثر من يقظتي، أو في بقية عمر لا أنشط فيه للعمل الصالح الجاد، واستيعاب العلم النافع بسرعة كما كنت في شبابي؟! .. فإذا خشيتُ اليأس والقنوط تذكرتُ أن الله لم يحرمني الخير في سنوات المنعطف في حياتي، ولا في أيام نشأتي: إما لشيء أنعم الله عليَّ به بدءاً: إما جزاء منه سبحانه لي على عملٍ قاصر، وهو كلُّه نعمة من الله عليَّ ابتداء فضلا منه سبحانه ومنَّة بلا حول مني ولا قوة، وهو العمل الصالح الذي هو جزاء من الله سبحانه عائد إلى العمل الصالح الذي كان منه سبحانه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير