تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ابتداء، فهو ثمرة له، فهو نعمة من الله مبتدأه .. وإما ابتداء منه سبحانه قبل أن يكون لي عمل؛ وذلك هو الإيمان بالله على صفات الكمال المطلق، وإيمان بملائكته عليهم السلام، وبكتبه الكريمة، ورسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره .. وهذا هو النعمة الكبرى .. وهذا بحمد الله هو إيمان لم يتزحزح بفضل الله ومنته، والله المستعصم فيما بقي من عمري مع تقصير في العمل، وظُلمي لنفسي، وكثيراً ما توسلتُ إلى ربي بهذه النعمة التي أنعم بها عليَّ .. ومنها ملازمتي مع أبي عمر -رحمه الله- مسجد الحسيني بشقراء قبل المنعطفات، وتلذُّذي بتلاوة مشايخ من العوام في صلاة التراويح والقيام والصلوات الجهرية كالمشايخ شقران وسليمان بن علي وحمد ابن عباس، وغيرهم في غير مسجد الحسيني مثل ابن حنطي وابن شيحة وإبراهيم بن ناصر في حليوة وسديرة - رحمهم الله- ونضَّر وجوههم .. وكان الشيخ إبراهيم بن ناصر -رحمه الله- بطيء الحركة ذا أناة، وكان يُغمِّق لحيته الكريمة بالحناء؛ فزاده ذلك بهاء وبهجة، ولا تزال ترنُّ في أذني تلاوته بعد صلاة العشاء لآيات من سورة يونس ابتداء من قوله تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} (83) سورة يونس، وإني لأحس بجمال تلك التلاوة حتى يومي هذا مع أن القوم لا يحسنون التلاوة تجويداً؛ فحفظت سورة يونس من جرَّاء ذلك .. وصليت مرة مع الشيخ ابن داوود -رحمه الله- في مسجد الظهيرة أو السويلم -نسيتُ- صلاة المغرب، وكان يريد تلاوة آخر سورة البقرة في الركعتين؛ فنسي وتلاها في ركعة واحدة؛ فاستفتح الركعة الثانية بأول سورة آل عمران، ولم يكن ذا تجويد، ولكنه يُؤثر في القلب .. فقلت في نفسي: ما شاء الله .. حفظةُ كتاب الله لا يُحرجون؟! .. فحفظت ما تيسر من سورتي البقرة وآل عمران؛ فعوقبت بإنسائهما أيام المنعطفات؛ فاصطنعت خشبة طويلة ذات مقعد من فوق مربَّع كبير أضع عليه مصحفاً كبيراً جداً لا أحتاج معه إلى نظارات، فكنت في بعض الصلوات أصلي على بُعدٍ من الخشبة، وأتلو حفظي من القرآن؛ فإذا شككت في آية قربتُ من المصحف؛ فكانت الآيات الكريمة تثبت في قلبي تدريجياً؛ فأنا على يقين إن شاء الله أنني لن أُحرم بركات تلك النشأة؛ فالله يدَّخر لعبده المؤمن العمل الصالح ويضاعفه، ويكتب السيئة سيئة واحدة، ويمحو كبار الذنوب ومحقَّراتها بنعم منه من عمل صالح لم يأبه به الإنسان، وبما ينكِّد حياة المسلم من هَمٍّ وضيق وقلة ذات يد وأعباء رعية وهضم وغبن وظلم وانتهاش لعرضه بالغيبة أو النميمة .. ويلطف ربي بعبده فيصيب منه على قدر تحمُّله؛ ليطهِّره، وما أطمعني في رحمة ربي إلا سعة عفوه؛ فهو الرحيم الودود الرؤوف بالعباد، وهو سبحانه لا يُخيِّب عبده المؤمن إذا علم منه صدق الإيمان .. وقد أسلفتُ لكم في حديث سابق أيام النشأة أنه يصيبني دُوار أو زُكام أو عارض مرضي فلا يكون بين عيني إلا ما بعد الموت؛ إذ ليس في دنياي ما آسى على فقده؛ فأبادر بالتوبة، وغسل ثيابي جديدها وأسمالها، ثم بالاستحمام بالأشنان ثم حدث عوضا عنه بعده صابون أبوعنز .. هذا ديدني؛ فنفعني الله بذلك؛ لأن الله لا يخيب عبدا يخافه؛ وإنني بالله جل وعلا ثم ببركة هذه الظواهر في النشأة لأرجو من ربي حسن الخاتمة، ودموع العصاة تعدل قربات أهل الطاعات .. وفي أيام المنعطفات غير المباركات (الوصف للمنعطفات) لم أخل من فيئات وندم .. كنت عام 1398هـ مع لمة من الأصحاب منهم الأستاذ حمد القاضي -حفظه الله- في العراق في رحلة رسمية انتهت بنزوى في عُمان، ولم نمارس مأثماً بحمد الله، ولكننا منهمكون في المزاح والدعابة، وربما تجاوز المزاح اللمم كموقف طريف للأستاذ حسن القرشي مع أحد المشايخ رحمهما الله تعالى في العلم بقطر لا يخلو من تهكُّم واستغباء (وهذا أمر جارح)، وكان أُنسي بما يستحسنه الجمهور كقصيدة لي عن نجد ألقيتها بالعراق وأخرى بقطر عن (عُود الطرب) على خببٍ نزاري .. وهذه غفلة؛ لأن الأُنس عند المسلم بالله ثم بشرعه ثم بالمباح لا بثناء الناس على عمل دنيوي .. وفي انصرافنا في السيارة كنا نتراجع الحديث والدعابة؛ فأدركني شرود؛ فظن القوم أنني في نعاس، ولم يكدروا عليَّ، وإنما رفعتُ رأسي إلى السماء بحركة تلقائية أدعو ربي في سرِّي أن لا يخترمني كافراً ولا عاصياً ولا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير