تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وثالثها: شيء لم يحصل وِجدانه في المشاعر، أو وُجِدَ ولكن الذاكرة نسيت صورته .. وكما يعمل الفنان لوحته التشكيلية بملكة الخيال التي تُجَرِّدُ أجزاء الصور المشهودة وما بينها من علاقات وفوارق، ثم يُركِّب منها بملكة الخيال أيضاً صورة أخرى لعلها لم تُشاهد في الواقع بذلك التركيب: فكذلك يفعل الخيال السريالي بالأحاسيس الباطنة .. وكلاهما مصدره الحس الظاهر أو الباطن، وفيهما معاً إشباع لِنَهَمِ الخيال وإرادة النفس الحالمة .. والفرد الموهوب في جوع دائم بدافع الطموح، وجوعه أن يُكوِّن لنفسه شخصية فريدة حالمة من مثالية يتمناها .. وخيالُ الموهوبِ أيضاً في جوع دائم إلى إيجاد عوالم غير معهودة التركيب بدافع لذة الإبداع والتجديد، وإذا لم يكن الموهوب الطموح ذا إيمان وعقل حصيف قد يصاب بداء ما يسمونه (انفصام الشخصية)، فيعمى عن واقعه الذي يراه الناس، ولا يبصر إلا مثالية كاملة يتخيلها، ويتكوَّن لديه كبرياء وازدراء للناس وسخط عليهم، إذ لم يقدِّروه حقَّ قدره!! .. وذلك جنون غير مباشر؛ لأنه من وساوس الشيطان لا من مَسَّه .. وكلا الحالمين مصدرهما نِثار من الحس الظاهر والمشاعر الباطنة، والخيالُ يُؤلِّف بينها بالتركيب وإحلال الفوارق والعلاقات التي جَرَّدها من الواقع .. وأداتُه لهذا المطلب من أمرين:

أولهما: عناصر من أحلام النوم التي هي من أضغاث لا رُؤيا تجمعت من ذكريات أماكن وأشخاص مختلفة، وأزمان متباعدة؛ فوحَّد الخيال هُوُيِّتها بأشخاص وأماكن يجمعها زمان محدد أقصر من الأزمنة المتباعدة في حياة الفرد.

وثانيهما: عناصر أحلام اليقظة التي يقتنصها الخيال من طموح الفرد وما يسعده من آمال، وما يؤذيه من آلام .. وهناك باعث غير الطموح المشكور يتعلق بالشهوة وعناصر الهيبية، ولقد نشطت بحمد الله لمداخلة مع السريالية تلي هذا البحث إن شاء الله بجريدة الجزيرة .. وسرياليتي بحمد الله من المباح أو المستحب؛ فأسمع مثلاً بصلاة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بالناس وهو جُنُب تيمَّم بالتراب؛ فلما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصليت بالناس وأنت جنب؟) أجاب بما معناه: يا رسول الله: هذا قدر استطاعتي؛ فإني وجدت قول الله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (195) سورة البقرة؛ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه الشريفة .. فمن سروري بضحكة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن إعجابي باستنباط سعد رضي الله عنه تمنيت أنني طرف في ذلك المشهد؛ فهذا أول عنصر سريالي من أمنية دافعها المحبَّة .. وأسمع أو أقرأ مواقف للصديق أبي بكر رضي الله عنه كدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له ليحكم بينه وبين عائشة رضي الله عنهما في خلاف نشب بينهما؛ فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئتِ تكلمتُ، وإن شئتِ فتكلمي أنتِ .. فقالت رضي الله عنها: بل تكلم أنتَ، ولا تقل إلا حقاً .. فغضب أبو بكر رضي الله عنه، وشجَّها حتى أدمى وجهها الكريم، وقال: أوَيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم غير الحق يا عدوة نفسها؟ .. فلاذت برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت تخاصمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جئنا بك يا أبا بكر لهذا .. وصالحها؛ فاختلط عندي بكاء ونشوة ومحبة وإعجاب بالأطراف؛ فتمنيتُ لو كانت عائشة رضي الله عنها بنتي وأني صاحب ذلك الموقف؛ فهذا عنصر سريالي آخر، ولكنه مُحال للفارق الزمني .. ومرَّ بي مشهد آخر حينما دخل أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في جدال مع عائشة رضي الله عنها تقول: إنما تذكر كثيراً عمر بن الخطاب ولا تذكر أبي -رضي الله عنهم جميعاً-، فأقبل إليها أبو بكر مغضباً يريد ضربها وهو في إقباله يتمتم بكلمة تعيير لضعف فصيلتها من بني تميم، فحال بينهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما خرج أبو بكر -رضي الله عنه- قال - صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها مسترضياً لها: ألا ترين أنني خلصتك من الرجل؟! ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير