تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعناصر الأحلام -مناماً ويقظة التي تكون أمشاجاً للعمل الإبداعي- لابد من تغذيتها بمقومات جمالية كالرمز مثل رمز الحية في حلم النوم، ورمز الشخصيات، فهو ابن خريف سابق، وهو ربيع بالحلم، وهكذا بقية الشخصيات كالنماء والخصب .. وبإيجاز فكل الأساطير التي يسمونها (عجائبيات) تكون أدباً سريالياً إذا كانت حال كاتب النص وحال بطل الأسطورة واحدة، وليست أصول الحلم السريالية اللامعقول (غير المعقول) بإطلاق، بل يكون معقولاً بتصوُّر الذهن، وغير معقولٍ احتمالُه في الواقع .. أما اللامعقول في التصور فعبث مجرد كالحماقة التي ارتكبها تقليداً توفيقُ الحكيم في مسرحيته (يا طالع الشجرة) ولا سيما الأغنية التي فيها:

يا طالع الشجرة

هات لي معاك بقرة

تُحلب وتسقيني

بالملعقة الصيني

ولم يستحِ توفيق الحكيم من تسويغ هذا العبث التقليدي في مقدمته للمسرحية؛ فهو يعلن بأن المغنواتي الشعبي العربي أسبق من الأوربيين في العبث؟! .. فهنيئاً للحكيم هذا السبق مع أنه افتراءٌ على أبناء الفطرة من مغنينا الشعبيين في بلاد العرب .. إن هذا العبث يبصق عليه الإحساس الجمالي؛ لأن أعْمق حس جمالي لأرقى فئة مثقفة لا يندرج في قيمة الجمال حتى يكون له تزكية من العقل في (قيمة الحق).

قال أبو عبدالرحمن: ورأيت محمد قطب (وهو غير الشيخ محمد) لم يستوعب حقيقة الرؤى والأحلام في الإبداع الأدبي؛ فقد أدرج (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ في كتابه (الرؤى والأحلام- قراءة في نصوص روائية) الذي صدر عام 1995م عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة .. وصادف ذلك أن (أولاد حارتنا) من قراءتي الأولى في هذا الفن العربي - وإن كان هيامي بالروايات الرومانسية الخواجية المعرَّبة-، والرواية التي قرأتها ليس فيها أدنى وشيجة بفاعلية الأحلام في الإبداع، بل هي من الروايات الواقعية الأقرب لمفهوم القصة، صوَّر فيها زملاء له في الدراسة قبل تبدُّل الأحوال بعد ثورة عام 1953م (أي حين تسلم عبدالناصر المقاليد) .. وأما ما أورده محمد قطب من نقد لأولاد حارتنا فإنما يتعلق بعفن إلحادي اقترفه نجيب محفوظ في حق الله جل جلاله وأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام، وما قصةُ التلميعِ ونوبل إلا من أجل هذا .. ولكن هذا العفَنَ الكافرَ لا علاقة له بتأثير الأحلام والرؤى في الإبداع، ولا يُغَيِّر شيئاً من الواقعية الأدبية لأشخاص متخيَّلين ولذوي سلوك مختلف؛ فإن لم يقع ذلك فيقع مثله، وعبثُ ضلالاتِ جيلِ النهضة الحديثة الأوائل كطه حسين وأبناء عصره أو من سبقوه قليلاً على خِسَّته أرحم من تدفُّق العفن الحداثي الذي ترعرع في ظلال ثورة 1953م، وكفى بنجيب محفوظ رائداً للإبداع الإلحادي .. أما الإباحية التي أخْدَجَتْ بها روز اليوسف منذ إحسان عبدالقدوس فهي فسق شنيع دون الكفر ما لم يكن عقيدة، فهو يُسَمَّى خلاعة؛ فإذا كان استباحة عقيدية (14) فهو كفر، وهذا هو الماثل في الفلسفة الإباحية؛ لأنها عقيدة كما في كل فلسفات الحق الطبيعي منذ (روسو) في العقد الاجتماعي إلى (اسبينوزا) في رسالة اللاهوت، وكلاهما مُعرَّبٌ .. كما أنه لم يكن لريادة (إحسان) ديمومة القبول، وإنما نشط لذلك حداثيون مُلَغِّمون.

وأما ما كتبه الدكتور فايز الداية في كتابه (جماليات الأسلوب-الصورة الفنية العربية) عن السندباد في الشعر المعاصر فهو كما تفضَّل الكاتب مجرَّد رمز، ولكنه يُثري المادة اللغوية، وليس الشاعر الرامز بالسندباد مبدعاً وقائعَ خيالية اخترعها خياله من أحلامه؛ وإنما الإبداع من حظ كاتب نص السندباد، والشاعر المعاصر أثرى لغته بالرمز من إبداع سابق، وهو إبداع نسج من الأحلام عوالمَ يحتملها الذهن.

قال أبو عبدالرحمن: إن كنتُ قَدَرْتُ (فتح الدال المهملة هو أصح الوجوه للفعل الذي بمعنى استطاع) على إضحاككم وترقيق قلوبكم معاً، وعلى إتخامكم علمياً وإطرابكم أدبياً: فادْعُوا لي ولكم بأن نكون مِمَّن طال عمرُه وحَسُن عملُه، والله المستعان، وإلى لقاء إن شاء الله مع السريالية.

ـــــــ الهوامش ــــــــــ:

(1) انظر مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1 - 200 - المكتبة العتيقة بتنوس، دار التراث بالقاهرة.

(2) مفردات القرآن ص392 - دار القلم بدمشق- الطبعة الثالثة عام 1423هـ.

(3) مقاييس اللغة ص380 - دار إحياء التراث العربي ببيروت- طبعتهم الأولى عام 1422هـ.

(4) قال أبو عبدالرحمن: فيكون على هذا المعنى الجامع في لغة العرب الذي هو الأصل منقولاً من معنى أصليٍّ توقيفي نجهله من جهة كونه أصل الاشتقاق المعنوي، وانظر معاني المادة من القاف والدال والسين المهملتين عند النصارى في تكملة المعاجم العربية 8 - 197 - 198.

(5) مقاييس اللغة ص847.

(6) انظر تكلمة المعاجم العربية لرينهارت دوزي بترجمة الدكتور محمد سليم النُّعيمي 6 - 19 - الطبعة الأولى - ط. دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد.

(7) المصدر السابق ص20.

(8) انظر مشارق الأنوار 2 - 203.

(9) انظر ديوان الأدب 1 - 338. (10) الكتاب 1 - 327 ط. م المدني -نشر الخانجي- تصدير دار الكتب العلمية (السَّروقة) ببيروت عام 1408هـ.

(11) المصدر السابق.

(12) قال أبو عبدالرحمن: لا توضع هنا النقطتان الرأسيتان علامةً لمجيئ مقول القول؛ لأنه ليس في السياق نَقْلٌ حرفيٌّ بالتنصيص عن قائل، وإنما هو حكاية للمعنى؛ فثمة فرق بين (قال: كذا وكذا) وبين (قال بكذا وكذا) فالأول تنصيص فتوضع علامة مقول القول، والثاني حكاية معنى قول فلا توضع العلامة.

(13) المجلة العربية - ربيع الآخر عام 1424هـ ص116.

(14) قال أبو عبدالرحمن: هذا هو الصواب حسب الاستقراء اللغوي السماعي لا التقعيد النحوي الاجتهادي .. و (العقدي) بدون ياء قبل الدال المهملة يبقى خاصاً لما وُجِد أو سيوجد من اسم أو صفة من العقد بالتحريك.

المصدر: الجزيرة - الآن اكتشفتُ نفسي (3 - 3) ( http://search.al-jazirah.com.sa/2009jaz/nov/22/ar1.htm)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير