تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كلام الشيخ الألباني رحمه الله حول الحديث

يرى المخالفون: أن هذا الحديث يدل على جواز التوسل في الدعاء بجاه النبي أو غيره من الصالحين، إذ فيه أن النبي علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيراً.

وأما نحن فنرى ان هذا الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل المختلف فيه، وهو التوسل بالذات، بل هو دليل آخر على النوع الثالث من أنواع التوسل المشروع الذي أسلفناه، لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها:

أولاً: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي ليدعو له، وذلك قوله: (أدعُ الله أن يعافيني) فهو توسل إلى الله تعالى بدعائه، لأنه يعلم أن دعاءه أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلاً:

(اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن يشفيني، وتجعلني بصيراً).

ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم الموسَّل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له.

ثانياً: أن النبي وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله: (إن شئت دعوتُ، وإن شئت صبرت فهو خير لك). وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه – أي عينيه – فصبر، عوضته منهما الجنة).

ثالثاً: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: (فادع) فهذا يقتضي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له، لأنه خير من وفى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصرعليه، فإذن لا بد أنه صلى الله عليه وسلم دعا له، فثبت المراد، وقد وجه النبي الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمرهأن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي له، وهي تدخل في قوله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) كما سبق.

وهكذا فلم يكتف الرسول بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها

طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملاً من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء – كما هو ظاهر – وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون.

وقد غفل عن هذا الشيخ الغماري أو تغافل، فقال في "المصباح" (24): (وإن شئتَ دعوتُ). أي وإن شئت علمتك دعاء تدعو به، ولقنتك إياه، وهذا التأويل واجب ليتفق أول الحديث مع آخره. انتهى

قلت: هذا التأويل باطل لوجوه كثيرة منها: أن الأعمى إنما طلب منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، لا أن يعلمه دعاء، فإذا كان قوله له: (وإن شئت دعوت) جواباً على طلبه تعين أنه الدعاء له، ولابد، وهذا المعنى هو الذي يتفق مع آخر الحديث، ولذلك رأينا الغماري لم يتعرض لتفسير قوله في آخره: (اللهم فشفعه في، وشفعني فيه) لأنه صريح في أن التوسل كان بدعائه صلى الله عليه وسلم كما بيناه فيما سلف.

ثم قال: (ثم لو سلمنا أن النبي دعا للضرير فذلك لا يمنع من تعميم الحديث في غيره).

رابعاً: أن في الدعاء الذي علمه رسول الله إياه أن يقول: (اللهم فشفعه في) وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، أو جاهه، أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته في، أي اقبل دعائه في أن ترد عليَّ بصري، والشفاعة لغة الدعاء، وهو المراد بالشفاعة الثابتة له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمراً، فيكون أحدهما شفيعاً للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره، قال في "لسان العرب": (الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشافع الطالب لغيره، يتشفع به إلى المطلوب، يقال بشفعت بفلان إلى فلان، فشفعني فيه).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير