تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما أمية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الأيات السابقات فإنما هي على اعتبار ماضيه – صلى الله عليه وسلم- كما أنها حجة لدحض كل تهمة عنه لأن كفار قريش يعلمون حق العلم أنه لايكتب ولا يقراء. ومما يدلل على ذلك أن القرآ ن الكريم في أسلوبه يتحدث أحيانا على إعتبار الماضي فمعلوم أن الصحبة بين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبين كفار قريش قد انفكت بعد إيمانه وتوحيده لله جل وعلا وبعد إصرارهم على الكفر والعناد وانتقل حق الصحبة إلى من آمن به ولذلك يقال عن الذين آمنوا برسول الله –صلى الله عليه وسلم- ورأوه صحابته ولا يقال ذلك عن المشركين. ومع ذلك خاطب الله سبحانه وتعالى كفار قريش قائلا " ماضلَّ صاحبكم وما غوى" وذلك على اعتبار ماكان بينهم من صحبة.

أما الأمة في كتب التفسير فقد وردت في آيات كثيرة منها قوله تعالى " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة 143) وتفسيرها في قوله – صلى الله عليه وسلم- "يُدْعَى نُوح يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال لَهُ هَلْ بَلَّغْت؟ فَيَقُول نَعَمْ فَيُدْعَى قَوْمه فَيُقَال لَهُمْ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ مَا أَتَانَا مِنْ نَذِير وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَد فَيُقَال لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَد لَك فَيَقُول مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْله " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" قَالَ وَالْوَسَط الْعَدْل فَتُدْعَوْنَ فَتَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلَاغِ ثُمَّ أَشْهَد عَلَيْكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ.

وفي هذا الحديث دلالة واضحة أن المقصود بالأمة الوسط أمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- جميعها وليس صحابته فحسب ودليل ذلك قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الحديث نفسه "فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم" ومن المعلوم أن شهادة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على أمته جميعها وقوله فتشهدون له بالبلاغ في صيغة الجمع تقابله صيغة جمع أخرى وهي ثم أشهد عليكم. فإن قال قائل إن صيغتي الجمع خاصة بالصحابه قلنا هذا يخالف قول الله تعالى "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" (النساء 41) لأن شهادة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عامة على أمته جميعها كما أنه يخالف قوله تعالى "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" (يونس 47).ويخالف قوله "وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" (النحل 84) وقوله تعالى "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89) ويخالف قوله "وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" (القصص75) ويخالف قوله تعالى "وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " (الجاثية 28)

ومن هذه الآيات الكريمة يتبين لنا ان المقصود بالأمة الوسط أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- التي آمنت به وصدقته وسارت على هداه ونهجه وليس ذلك مقصورا على صحابته.

كما أن اسلوب القرآن الكريم في غاية الوضوح عندما يريد تخصيص الأمة بمعنى الجماعة ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (ال عمران 104). ومما هو معلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على المسلمين وعدم قيام بعض المسلمين بذلك لايخرجهم من الملة ويعتبرون مقصرين في هذا الجانب مع بقائهم من أمة محمد ودليل ذلك أن الذين يأمرون بالمعروف في كل جيل من بعد بعثته –صلى الله عليه وسلم- جماعة من الأمة المسلمة وليست الأمة المسلمة كلها وهذه الجماعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير