تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم لو جاز له أن يكون شاعراً معصوماً من ذلك كله لأصبح مشتركاً مع الشعراء في الاسم وذلك مالم يرده له سبحانه وتعالى. ومما ذكره الأزهري في تهذيب اللغة " وقيل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: الأمي، لأن أُمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب، بعثه الله رسولاً وهو لا يكتب من كتاب، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المعجزة، لأنه صلى الله عليه وسلم تلا عليهم كتاب الله منظوماً مع أميته بآيات مفصلات، وقصص مؤتلفات، ومواعظ حكيمات، تارة بعد أخرى، بالنظم الذي أنزل عليه، فلم يغيره ولم يبدل ألفاظه. وكان الخطيبُ من العرب إذا ارْتَجَل خُطْبَةً ثم أَعادها زاد فيها ونَقَص، فحَفِظه الله عز وجل على نَبيِّه كما أَنْزلَه، وأَبانَهُ من سائر مَن بَعَثه إليهم بهذه الآية التي بايَنَ بَينه وبينهم بها، ففي ذلك أَنْزَل الله تعالى: "وما كنتَ تَتْلُو من قَبْلِه من كِتاب ولا تَخُطُّه بِيَمِينِك إذا لارْتابَ المُبْطِلون" الذين كفروا، ولَقالوا: إنه وَجَدَ هذه الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها من الكُتُب."

وخلاصة القول في هذه المسالة أن الأمة المسلمة قد ارتفعت عنها الأمية بمعناها العام بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكيف لاترتفع عنها وهي التي علمت العالم جميعه مكارم الأخلاق من حقوق الوالدين والأبناء والجار وإكرام الضيف وغض البصر وإغاثة الملهوف وكثيرا مما لايتسع المقام لذكره ومن نافلة القول أن أمة تتصارع حضارتها مع هذه القيم والأخلاق لفي خسران عظيم. وكيف يقال عن هذه الأمة أنها أمة أمية وقد أنجبت الصديق والفاروق وعثمان وعلي وسائر أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رضوان الله عليهم أجمعين وأنجبت ربيعة الرأي وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل والخليل وسيبويه وكثيرا ممن لايحصى.

كما أن الأمية لا يمكن أن تعود إلى هذه الأمة إلا متى عادت إلى جاهليتها الأولى وتركت كتاب ربها وراءها وتنكرت لدينها ونبيها ومكارم أخلاقها التي تممها رسولها عليه أفضل الصلاة والتسليم.

أما الأمية بمعناها الخاص, عدم معرفة الكتابة, فما مات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا وقد رفعها عن أمته بما يكفي لنقل هذا الدين كاملا غير منقوص من جيل الصحابة إلى جيل التابعين ودليل ذلك قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" ولا يمكن أن يكمل الدين إلا بمعرفة الكتابة والقراءة وإلا كيف تتواصل الأمة مع كتاب ربها وسنة نبيها – صلى الله عليه وسلم- من غير معرفة لقراءة وكتابة وقصة مفاداة أسرى بدر خير دليل على ذلك. وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إنما بعثت معلما" فيه دلالة واضحة على أن رسالته جاءت إلى الناس لترفع عنهم الأمية بمعناه العام والخاص.

ومن المنطق, أن ارتفاع الأمية بمعناها العام عن الأمة يرفع الأمية عنها بمعناها الخاص لأنه لايمكن للأمة التي لاتعرف الكتابة أن تتواصل مع رسالة ربها لتبلغها إلى الأمم والأجيال التي بعدها.

ومن فرض القول أنه بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ارتفعت الأمية بمعناها العام عن الأمة المسلمة وانتقلت إلى ماعداها من الأمم التي لم ترض بدين الله فأصبحت الأمة المسلمة غير أمية وأصبحت كل أمة غيرها أمية.

ومما يدلل على ذلك قوله تعالى "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا" وليس ذلك مقصورا على اليهود وحدهم بل إن كل أُمةٍ تُحمَّلُ كتاباً ثم لاتَحملهُ هي كمثلِ الحمار يحمل أسفاراً وهذه منزلة أدنى من منازل الأمية بمفهوميها العام والخاص حتى وإن كانت أمة كاتبة قارئة. ويدلل على ذلك قوله تعالى " أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ " وقوله جل وعلا " بِئْسَ مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّه وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير