وخلاصة القول أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعث إلى جميع الأمم وأن أمته هي التي أمنت به وصدقته وسارت على نهجه القويم وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "وستفترق أمتي" اي أن أمته التي كانت مومنة به سوف تنقسم إلى ثلاث وسبعين فرقة وقوله أمته على اعتبار ماضيهم لاحاضرهم وكذلك الحال بالنسبة لأحاديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
ومن هنا يتبين لنا أن ألأمة في الحديث "إنا أمة أمية ... " أي أمة محمد جميعها ولا يمكن الفصل بين جيل وجيل أو جماعة وجماعة إلا بدليل أو قرينة واضحة ولا قرينة في الحديث تقتضي التفريق.
ونعود بعد هذا الاستطراد إلى حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والذي هو سبب الاختلاف بين القائلين بعدم جواز الأخذ بالحساب الفلكي والقائلين بجوازه أو وجوبه"إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا" وكما ذكرنا من قبل إن حجة المنتصرين للحساب الفلكي هي أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد علل أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية لبدء الصوم والإفطار بأنه من أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، فما من سبيل لديها لمعرفة حلول الشهر ونهايته إلا رؤية الهلال الجديد، ما دام الشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين وتارة ثلاثين.
أقول وبالله التوفيق: إن حجة القائلين بتعليل الحديث غير صحيحة من عدة وجوه:
1 - لقد بينا أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لم يمت إلا بعد أن رفع الأمية بمفهومها العام والخاص عن الأمة بما يكفل نقل الدين من جيل إلى جيل كاملا غير منقوص. وبينا أيضا أن معنى "أمية" في الحديث, أي منسوبة إلى الأم باعتبار البقاء على الحالة التي خرجنا عليها من بطون أمهاتنا في عدم معرفة الكتابة والحساب.
2 - القول بالتعليل يقسم أمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى قسمين أمة أمية وأمة غير أمية وتخصيص الأمة التي كانت في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالأمية دون غيرها يحتاج إلى دليل ولقد مرت بنا الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- التي تثبت أن أمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- واحدة ولا يمكن الفصل بين أمة وأمة.
3 - ليس من المعقول أن يختص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- جماعة من أمته دون جماعة في حديث عن ركن من أركان الإسلام وكأن الجماعات الأخرى من أمته غير معنية بهذا الركن.
4 - لقد بينا أيضا معنى الأمية الخاص وهو عدم معرفة الكتابة ولا علاقة للأمية من بعيد أو قريب بالحساب ذلك أنني لم أجد تعريفا للأمية فيما اطلعت عليه من كتب اللغة والتفسير يدل على أن من لايعرف الحساب أمي, إذن, لماذا ذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الحساب؟. والذي أعتقده أن الإنسان يخرج من بطن أمه غير حاسب ولا كاتب ولكنه يتعلم الحساب من خلال بيئته ذلك أنه يحتاج إلى البيع والشراء وعد الأشياء وتلك مهارة يكتسبها من غير معاناة ومشقة ومن هنا ترتفع أمية الحساب عن كل إنسان بعد مدة من ولادته. أما أمية الكتابة فتبقى ملازمة للإنسان حتى يتعلم الكتابة. ومن هنا يتبين لنا أن ذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- للحساب, مع علمه أن الأمة حاسبة, تأكيد على أنه يجب علينا أن نبقى بخصوص دخول الأشهر القمرية على الحال التي ولدتنا عليها أمهاتنا.
5 - كما أن المتأمل في الحديث يجد أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال "لانكتب ولا نحسب" بالنون وليس بالتاء ولو كان الحديث لاتحسب ولا تكتب لعاد الضمير على الأمة وفي هذا إشارة إلى نفي الأمية عن الأمة.
6 - ثم إن الحديث فيه حساب وإلا كيف عرف أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم أن الشهر 29 يوما أو 30 يوما. كما أن الأمة في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تعرف الحساب ودليل ذلك أن الناس في عهده –صلى الله عليه وسلم- كانوا يتبايعون بالدرهم والدينار ولو لم يكونوا يعرفون الحساب لما تبايعوا. والأعظم من ذلك معرفتهم بعلم الفرائض والذي هو في غاية التعقيد ويحتاج إلى معرفة السدس والربع وعلم الزكاة كربع العشر وما سواه. وقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أفرضكم زيد فيه دلالة على أنه يوجد من الصحابة من يعرف هذا العلم غير زيد وبقيت الأمة بعده صلوات الله وسلامه عليه عالمة بعلمي الفرائض والزكاة فما من فقيه مر على هذه الأمة إلا ويعرف هذين العلمين معرفة وافية. كما أن العرب
¥