تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" وأشار مالك بالسبابة والوسطى. (85)

وهنا أيضاً قامت الإشارة بدور المشبه به؛ لأنها أكمل في البيان من المشبه , ولو أردنا أن ندلل باللفظ عن هذه الصورة لقلنا: رسول الله وكافل اليتيم متجاورين في الجنة كثيراً.

فهل ترى لهذه العبارة من الرونق والبهاء والأريحية ماتجده في قوله: " أنا وهو كهاتين "؟.

إن الإشارة جعلت الجميع ينظر إلى هذين الأصبعين ويفكر فيما فيهما من معان , كالالتصاق , ودوام الصحبة , ووحدة الدرجة , وشمول النعيم , وحسن الجوار , .... الخ.

فالإشارة هنا زادت من عمق التشبيه , ووضعت له كثيرا من الأضواء البيانية , وفتحت له الباب ليجمع كل معاني الود , والألفة والاقتران , والوحدة وغير ذلك.

ولا يخفى عليك أن الغاية من وراء كل هذا هو حث المؤمنين على كفالة الأيتام , والإحسان إليهم , واستنهاض الهمم حتى لا يبقى في الأمة يتيم غير مكفول.

وقد تحمل الإشارة معنى التمثيل الذي يأتي في أعقاب المعاني , فتزيد الصورة أنساً وألفة , بالإضافة إلى قيام الإشارة مقام الدليل على صحة التشبيه , وهذا ما يفعله التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني , ومن ذلك:

ما رواه المسور بن شداد , قال: قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم:

" والله مالدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه , وأشار بالسبابة , في اليم فلينظر بم يرجع؟ (86)

إن الصورة التشبيهية قد كملت عند قوله: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم.

ثم جاءت الحركة , حركة وضع السبابة في اليم؛ لينظر الجميع , ويستحضر اليم وأنه جالس على شاطئه , ثم هاهو يضع أصبعه في اليم , ثم ينظر فلا يجد فيه من الماء إلا البلل.

إن هذه الإشارة أعطت التشبيه قوة , لأنها قامت بدور الدليل , والبرهان على صدق الصورة , وأن من يفعل ذلك يرجع فارغ اليد إلا من الحسرة.

أرأيت كيف تدعم الإشارة التشبيه؟ , وكيف توضح المراد منه؟ وكيف أكسبته الأنس والألفة كما قال الإمام عبد القاهر (86).


إخراج المعنوي في صورة المحسوس
تحدث البلاغيون عن إخراج المعنوي في صورة المحسوس , وذلك في باب البيان عن طريق التشبيه , أو الاستعارة , أو التعبير بالمضارع , وغير ذلك.
لكن الإشارة كما أرى أقوى أثراً من كل ذلك لأن الإشارة لا تكتفي بإخراج المعنوي في صورة المحسوس , وإنما تقوم بتصويره وتجسيده , فيتحول الأمر إلى صور حية مشاهدة تراها العيون , ومن ثم يتفاعل معها المتلقي؛ فيرسخ المعنى في القلب رسوخاً لا مزيد عليه.
وأول ما يلقانا من هذا ما رواه عبد الله بن عمر , قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه , وهو يمسح الدم عن وجهه, ويقول: " رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " (88)
فجملة " يمسح الدم عن وجهه " فهم منها المراد , لكن قيام النبي صلى الله عليه وسلم بتجسيد هذه الحركة زادت المعنى شخوصاً؛ لأنها عمدت إلى المتلقي , ونبهت عينه إلى أن ينظر إلى المعنى وهو يتحرك أمامه.
كما أن في هذه الإشارة بعضاً من التخفيف والترويح عن الصحابة الذين ضاقوا بتعذيب الكفار لهم , فكان في هذه الصورة التي حكاها النبي تأنيساً وترويحاً عنهم من شدة ما لاقوه. فالأمر كما قال ابن حجر كان [تطييباً لقلوب الصحابة] (89)
ومن هذا الباب أيضاً ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها , قال حما: فذكر من طيب ريحها , وذكر المسك , قال , ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض , صلى الله عليك , وعلى جسد كنت تعمرينه , فينطلق به إلى ربه عز وجل , ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل ....
قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه , ذكر حماد , وذكر من نتنها , وذكر لعناً , ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض , قال فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل ...
قال أبو هريرة: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه ... (90)
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير