تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النصيب في اللغة هو الحظ الجيد المعيَّن من الشيء. تقول: هذا نصيبي. أي: حظي. واشتقاقه من النصْب، بإسكان الصاد. والنصْب: هو إقامة الشيء في استواء، وإهداف، ووضعه موضعًا ناتئًا؛ كنصب الرمح، والحجر في الأرض. والنصْب، والنصيب حجر كان ينصَب، فيعبَد، فهو منصوب. قال الراغب في مفرداته: " النصيب: الحظ المنصوب. أي: المعيَّن ". وهو المراد من قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء:11]، لقوله تعالى قبله: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} [النساء:7] 0

أما الكفل فيستعمل في اللغة لمعان كثيرة؛ أشهرها: النصيب والحظ0 وهذا قول الجمهور. ونقل عن المؤَرِّج قوله:" الكفل: النصيب بلغة هذيل ". وقال غيره:" بل بلغة الحبشة ". وذكر أبو حيَّان صاحب تفسير (البحر المحيط) أن أكثر استعماله في الشر .. ولهذا استعمل في الشفاعة السيئة. وقد يستعمل في الخير؛ كقوله تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد:28] .. وكان أبو حيَّان قد نقل عن إبَّان بن تغلب أن الكفل بمعنى: المِثل، ونقل عن الحسن وقتادة أنه بمعنى: الوزر والإثم .. وذكر الفيروز آبادي من معاني الكفل: الضِّعف. واشتقاق ذلك كله من كفل البعير. قال الكسائيُّ:" أصل الكفل مركَب يهيَّأ على ظهر البعير ". وقال ابن فارس:" الكاف والفاء واللام أصل صحيح يدل على تضمن الشيء للشيء. من ذلك الكفل: وهو كساء يدار حول سنام البعير"

وأضاف ابن فارس قائلاً:" والكفل في بعض اللغات: الضعف من الأجر، وأصله ما ذكرنا أولاً؛ كأنه شيء يحمله حامله على الكفل الذي يحمله البعير، ويقال ذلك في الإثم " 0

وعلى هذا المعنى يحمل قول الله تعالى: {يكن له كفل منها} 0 بمعنى: أنه يناله من شفاعته السيئة ضعف من الأجر الرديء؛ لأنه آثم بهذه الشفاعة0

والخلاصة: أن الشفاعة إما أن تكون حسنة، أو تكون سيئة. والشفاعة الحسنة هي التي يراعى بها حق المسلم، فيدفع بها عنه شر، أو يجلب بها إليه خير، ولا يبتغى بها إلا وجه الله تعالى .. والشفاعة السيئة ما كانت بخلاف ذلك. فإذا كانت الشفاعة في حق، كان لصاحبها من أجرها الذي يستحقه المُشفَّع أجرٌ حسن. وهذا ما عبَّر عنه بالنصيب. وإذا كانت الشفاعة في باطل، كان لصاحبها من أجرها الذي يستحقه المُشفَّع ضعفٌ من الأجر الرديء. وهذا ما عبِّر عنه بالكفل، تنبيهًا على أن الشفاعة المؤدية إلى إحقاق الحق تكون عظيمة الثواب عند الله تعالى، وأن الشفاعة المؤدية إلى إسقاط الحق تكون عظيمة العقاب عند الله تعالى.

ثالثًا- جواب الدكتور عماد:

أولاً- ذهب الألوسي إلى أن النصيب بمعنى الحظ الوافر، وأن الكفل بمعنى النصيب من الوزر، فقال:" من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها- أي: حظ وافر من ثوابها00 ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها- أي: نصيب من وزرها0 وبذلك فسره السدي، والربيع، وابن الزبير، وكثير من أهل اللغة "0

ثم علل الألوسي للمغايرة بين اللفظين، فقال:" فالتعبير بالنصيب في الشفاعة الحسنة، وبالكفل في الشفاعة السيئة للتفنُّن "0

وأضاف الألوسي قائلاً:" وفرَّق بينهما بعض المحققين بأن النصيب يشمل الزيادة، والكفل هو المثل المساوي، فاختار النصيب أولاً؛ لأن جزاء الحسنة يضاعف، والكفل ثانيًا؛ لأن من جاء بالسيئة، لا يجزى إلا مثلها0 ففي الآية إشارة إلى لطف الله تعالى بعباده "0 (روح المعاني للألوسي:5/ 97)

هذا ما حكاه الألو سي عن بعض المحققين0 و هذا القول لا يصح إلا على اعتبار (من) للسبب0 فيكون المعنى: من يشفع شفاعة حسنة، يكن له نصيب من الأجر بسببها، ومن يشفع شفاعة سيئة، يكن له كفل من العقاب بسببها0

وهذا خلاف ما نصَّت عليه الآية الكريمة من المعنى؛ لأن المراد بـ (منها) الأولى: من ثوابها، وبـ (منها) الثانية: من عقابها، كما قال الألوسي0 ويؤكد ذلك أن (من) في الموضعين للتبعيض00 وهذا مذهب الجمهور0

ثانيًا- مذهب الجمهور أن النصيب، والكفل بمعنى واحد، إلا أن الثاني أكثر ما يستعمل في الشر0 وبهذا قال أبو حيان، ثم علل للمغايرة بينهما بقوله:" وغاير في النصيب، فذكره بلفظ الكفل في الشفاعة السيئة؛ لأنه أكثر ما يستعمل في الشر "0 (البحر المحيط:3/ 733)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير