ولا يفهمه غيرهم ولا يذوقه سواهم، ولا يصح ذكره إلا بعد تقدير الظاهر ثم يشير إلى علم الباطن بعبارة رقيقه وإشارة دقيقة، فمن لم يبلغ فهمه لذوق تلك الأسرار، فليسلم ولا يبادر بالإنكار، فإن علم الأذواق من وراء طور العقول، ولا يدرك بتواتر النقول. قال في لطائف المنن: اعلم أن تفسير هذه الطائفة – يعنى الصوفية – لكلام الله وكلام رسوله r بالمعاني الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جاءت الآية له عليه في حرف اللسان وثم أفهام باطنه تفهم من الآية والحديث لمن فتح الله قلبه. وقد جاء أنه عليه السلام قال: لكل آيه ظاهر وباطن، وحد ومطلع – فلا يصدنك عن تلقى المعاني الغربية منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة: هذا إحالة لكلام الله عز وجل وكلام رسوله r فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لكلام الله لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا، وهم لا يقولون ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها ومراداتها وموضوعاتها ويفهمون عن الله ماأفهمهم. ([3])
وهو ينقل في هذا التفسير عن أساتذة التصوف ومشاهيره مثل أبي العباس المرسي ([4]) والقشيري ([5]) وأبي الحسن النوري ([6])، وابن الفارض ويقول t ([7]) ، والحلاج ويقول t ([8]) ، وأبي يزيد البسطامي ([9])، وشيخ المشايخ القطب الجيلاني ([10])، وأبي الحسن الشاذلي ([11])، ومحي الدين ابن عربي ([12])، والجنيد ([13])، وذي النون ([14])، وابن الفارض ([15])، ورابعة العدوية ([16])، والحارث المحاسبي ([17])،ابن أبي مدين ([18])، صاحب الحكم العطائية ([19])، الششتري ([20])، وغيرهم.
ومن المصادر التي يحيل عليها من التفاسير تفسير الفاتحة الكبير له ([21]) وينقل عن الرازي ([22])، والبيضاوي ([23]) والواحدي والإقليشي ([24]) وابن جزي ([25])، والمحشي الفاسي ([26])، والزمخشري ([27])، وابن عطية ([28])، والثعلبي ([29])، والسيوطي ([30]). كما ينقل عن الغزالي ([31])، وابن البنا ([32])، وغيرهما
المنهج التفصيلي للمؤلف:
أولا: أسماء السور وعدد الآيات والوقوف وبيان المناسبات:
يتعرض ابن عجيبة لعد الآي قوله: قال سيدنا علي كرم الله وجهه: أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة،وفيها ستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة، ومائتان وستة وثمانون آية، وقيل سبع وثمانون. ([33])
وقد ذكر أسماء الفاتحة وعدد الآيات عند الشافعي ومالك. وهو يحاول الربط بين الآيات بمناسبات مختصرة مثل قوله:
ولما أراد الله تعالى أن يتكلم على الحج قدم الكلام على الأحوال لأنها سبب في وجوبه والوصول إليه. ([34])
وقال: ولما أراد الحق تعالى أن يتكلم عن أحكام الحج قدم الكلام على الهلال لأنه معتبر في الحج أداء وقضاء ([35])
ثانيا: موقفه من العقيدة: هذا هو الباب الأساسي في زيغ هذا التفسير فانظر مثلا إلى قوله في حديثه عن الفاتحة:
حمد نفسه بنفسه، ومجد نفسه بنفسه، وعظم نفسه بنفسه، ووحد نفسه بنفسه، ولله در السعدوى حيث قال:
ما وحد الواحد من واحد= إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته= عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده= ونعت من ينعته لاحد
فقال في تمجيد نفسه بنفسه مترجما نفسه بنفسه:] الحمد لله رب العالمين [([36]). ([37]) وهذا انحراف عقدي خطير إن لم يكن كفرا والعياذ بالله لأن "ما" النافية مع "من" تفيد الاستغراق وتنكير لفظة "واحد" تدل على شمول ذلك للرسل صلوات الله عليهم وهم قد وحدوا الله حق توحيده. أما توحيد هؤلاء فلاشك أن الرسل لم يوحدوا به الله لأنه عين الشرك وقد قال تعالى] ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين [([38]) وقال تعالى عن رسله] أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [([39])
وقال أيضا مما يوحي بتأثره بوحدة الوجود وهو مايظهر كثيرا في كلامه وإن خالفه غيره:
¥