لا عبرة بظواهر الأشياء وإنما العبرة بالسر المكنون وليس ذلك إلا بظهور الحق وارتفاع عطاياه، وزوارل أستاره وخفاياه، فإذا تحقق ذلك التجلى والظهور، استولى على الأشياء الفناء والدثور، وانقشعت الظلمات بإشراق النور، فهناك يبدو عين اليقين، ويحق الحق المبين، وعند ذلك تبطل دعوى المدعين، كما يفهم العامة بطلان ذلك يوم الدين، حين يكون الملك لله رب العالمين. وليت شعرى أي وقت كان الملك لسواه حتى يقع التقييد] الملك يومئذ لله [([40]) وقوله:] والأمر يومئذ لله [([41]) لولا الدعاوي العريضة من القلوب المريضة. ([42])
ويقول:الطريق المستقيم الذي أمرنا الحق بطلبه، هو طريق الوصول إلى الحضرة، التي هي العلم بالله على نعت الشهود والعيان، وهو مقام التوحيد الخاص الذي هو أعلى درجات في التوحيد، وليس فوقه إلا مقام توحيد الأنبياء والرسل، ولابد فيه من تربية على يد شيخ كامل عارف بطريقة السير، قد سلك المقامات تذوقا وكشفا، وجاز مقام الفناء والبقاء، وجمع بين الجذب والسلوك، لأن الطريق عويص، قليل خطاره، كثير قطاعه، وشيطان هذه الطريق فقيه بمقاماته ونوازله، فلا بد فيه من دليل وإلا ضل سالكه عن سواء السبيل. ([43])
أقول: والحمد لله الدليل هو كتاب الله وسنة رسوله r ، والصراط الذي أمرنا بطلبه هو صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، لا الأقطاب والأغواث والمجاذيب!!!
ويقول:ثم افتتح السورة برموز رمز بها بينه وبين حبيبه فقال:] الم [([44]) وقد حارت العقول في رموز الحكماء، فكيف بالأنبياء؟ فكيف بالمرسلين؟ فكيف بسيد المرسلين؟ فكيف يطمع أحد في إدراك حقائق رموز رب العالمين؟ قال الصديق رضي الله عنه: في كل كتاب سر وسر القرآن فواتح السور اهـ فمعرفة أسرار هذه الحروف لا يقف عليها إلا الصفوة من أكابر الأولياء، وكل واحد يلمع له على قدر صفاء شربه.
قال: قلت: والأظهر أنه حروف تشير للعوالم الثلاثة: فالألف لوحدة الذات في عالم الجبروت، واللام لظهور أسرارها في عالم الملكوت، والميم لسريان أمدادها في عالم الرحموت، والصاد لظهور تصرفها في عالم الملك وكل حرف من هذه الرموز يدل على ظهور أثر تصرف الذات في عالم الشهادة فالألف يشير إلى سريان الوحدة في مظاهر الكوان، واللام يشير إلى فيضان أنوار الملكوت من بحر الجبروت، والميم يشير والميم يشير إلى تصرف الملك في عالم الملك.
قال جعفر الصادق: لقد تجلى الله تعالى لخلقه في كلامه ولكن لا يشعرون. وقال أيضا وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا عليه، فلما سرى عنه قيل له في ذلك فقال: مازلت أردد الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته اهـ فدرجات القراءة ثلاث: أدناها: أن يقرأ العبد كأنه يقرأ على الله تعالى واقفا بين يديه، وهو ناظر له ومستمع منه فيكون حاله السؤال والتملق والتضرع والابتهال، والثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله تعالى يخاطبه بألفاظه، ويناجيه بإنعامه وإحسانه، فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم، والثالثة: أن يرى في كلام المتكلم، فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته، بل يكون فانيا عن نفسه، غائبا في شهود ربه، لم يبق له عن نفسه إخبار، ولا مع الله غير قرار. فالأولى لأهل الفناء في الأفعال، والثانية في أهل الفناء في الصفات، والثالثة لأهل الفناء في الذات، رضي الله تعالى عنهم، وحشرنا على مناجيهم، آمين.
فلا ترضى بغير الله حبا = وكن أبدا بعشق واشتياق
ترى الأمر المغيب ذا عيان = وتحظى بالوصول وبالتلاقي
يامن غرق في بحر الذات وتيار الصفات، ذلك الكتاب الذي تسمعه من أنوار ملوكتنا وأسرار جبروتنا، لا ريب فيه أنه من عندنا، فلا تسمعه من غيرنا] فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [([45]) فهو هاد لشهود ذاتنا، ومرشد للوصول إلى حضرتنا لمن اتقى شهود غيرنا، وغرق في بحر وحدتنا. ([46])
ويقول:وقيل لأبي الحسن النوري: ماهذه الأماكن والمخلوقات الظاهرة؟ فقال: عز ظاهر، وملك قاهر، ومخلوقات ظاهرة به، وصادرة عنه، لا هي متصلة به، ولا منفصلة عنه، فرغ من الأشياء ولم تفرغ منه، لأنها تحتاج إليه وهو لا يحتاج إليها.
¥