تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأنت ترى في هذا النص من كلام العسكري رحمه الله، ومن قال بمثل قوله كالجاحظ من قبله، وهو رأي الجمهور من أهل البيان من بعده، أنهم في بابي النثر والشعر لا يعولون في النقد على المعنى أكثر من تعويلهم على اللفظ، وهي قضية محل بحث ودرس بين الأدباء من عصور متقدمة حتى يومنا هذا. (2)

وكم تطالعنا كتب التاريخ ودواوين الأدب وتحدثنا عن عزيز النظم ومنثور الكلم، فكم بنا بيت من الشعر بيوتا من مدر، وكم من حكمة أومثل سائر نثر الدر في جيب كثير من البشر، وكم أعتق به من الرقاب، واستنزلت به الكرام كما يستنزل القطر من السحاب،ولاتعجب ... ، فلربما نكست الأعلام بالأقلام وملكت الأصقاع بالرقاع.

وليس مرادي تقرير أي الرأيين أصوب في هذا الباب، إنما أردت أن أبين أن احتفال أهل اللسان بالمعاني لايعدل احتفالهم بجودة اللفظ وحسن سبكه ورصفه، فكيف يحفل من يحفل بالمعنى الخطير في تفسير آية، أو ابتكار معنى لها لم يسبق إليه؟.

لا ياسادة ياكرام، قد نقبل هذا في أي باب من أبواب العلم، أما مع كلام الله وتفسيره فلا وألف لا.

أترى الف عام مرت لاتفي بهذا؟، أم أن الأمة قد قصرت في تفسير كلام ربها وخالقها؟، لست مع الجمود وعدم التجديد في أي فن، فلايقول بهذا إلا بارد الطبع بليد الذهن، لكن أقول: أن كتاب الله ليس مجال التلاعب بالعبارات وتفخيم العناوين،أو سرور بسبق علمي في فهم مفردة أو تفسير آية، أومرتع للفكر في الكتابة واكتشاف المواهب الذهنية والقدرات العقلية واللسانية، لا أيه الإخوة الكرام.

فكلام الله يجب أن يصان عن مثل هذا، فلا يفرح بسبق علمي لغوي أوبلاغي أو نحوي تفسيري في كلام الله إلا من اختلط ذهنه وأيس منه أهله، ومن رام تجديدا في هذا قلنا له:

ماذا بعشك ياحمامة فادرجي!.

وقديما ذم تفسير القرآن بالرأي، فكيف بابتكار مالم يسمع به الرازي أو الزمخشري ومن على شاكلتهم، أو سار سيرتهم، اللهم إلا رجل أتانا على قوله بشاهد صدق وحجة دامغة أوسلطان مبين.

كم مرة تمر علي وأنا أفكر في توقف كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، عن تفسير مفردة قرآنية، كما يذكر عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهل سائر الصحابة إلا من بعدهم، مع أنهم أهل القرآن واللسان، بل في اللسان يحتج بهم لا لهم، فما نزل القرآن إلا بلغتهم وعلى سمعهم، ودونك أول مفردة قرآنية في أي معجم لغوي، ستجد أنها خير شاهد لي على ما ذكرت.

وسار من بعدهم أئمة كبار هالهم الإقدام على أقل مما ترانا نهجم عليه اليوم هجوما، ونفتخر بفض خاتمه للناس، ودونكم إمام العربية وراوي أيامها وأشعارها عبد الملك بن قريب الأصمعي رحمه الله، مع دماثة خلقه ولين طبعه، واسترساله للمجالس ومخالطة الناس، إلا أن عجبك لا ينقضي إذا علمت أنه كان من أبعد الناس عن تفسير مفردة قرآنية، وهل المعاجم العربية إلا عالة على ما روي عنه في باب أخبار العرب وأيامها وأشعارها وكلامها، رحمه الله وبرد مضجعه.

ألا تقرأ ون يا قوم ترجمة هذا الحبر محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي رحمه الله، فما من آية في كتبا الله إلا وقد درسها على حدة، وما من آية إلا وقد جمع لها كل كلام من تقدم قبله من أهل التفسير، ثم ماذا؟.

هل أشتهر بقول فطير أو رأي تفسيري مبتسر، سبحانك ما علمنا هذا عنه، وما شهدنا إلا بما علمنا من تفسيره للقرآن بالقرآن، وخوفه من أن يشذ بما لم يعهد من قول مسبوق خطير الشأن، وأمثاله بحمد الله من أهل العلم في كل زمان.

فهلا حاسب كل كاتب نفسه في اختياره لعنوان مكتوبه، وهلا وقف مع نفسه قبل طرحه في هذه الصفحات وعلى مشهد من الناس فطيرمكنونه، وهلا حاسب نفسه قبل أن يتشدق بابتكاره لهذا المعنى أو ذاك، وبحث له عن إمام معتبر يستأنس به وإن كان قولا مرذولا منسيا، فربك يحي الموتى وهو على كل شئ قدير.

صدقوني ليست القضية هي النقد هنا، لكن القضية هي السؤال غدا (هناك)!.

ألا لايظنن ظان بي مالست به، من تنفير من التجديد في ماهو من بابه، لكن ليأت هذا الأمر من بابته، فحسبنا ماوسع من قبلنا، وليتنا نأتي على شئ مما أتوا عليه وتركوه لنا، ولانفرح بمالم يعرجوا عليه، والله لايحب الفرحين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير