وإني أضرب لكم مثلا برجل رشيد، أحسبه والله حسيبه ممن لديه محاولات ولمسات تجديدية لما درس من علم التفسير وعلومه، لمست هذا في جوانب عديدة في بعض ماكتبت يداه، وفي مايحاول به من انتصابه لتعليم كتاب الله في حمله عصا تسياره هنا وهناك، ألا وهو الشيخ د / مساعد الطيار، وإني أدعو الله أن يحيي على يديه وإخوانه من علماء التفسير كالشيخ د/ عبدالرحمن البكري، مادرس من رسوم هذا العلم، فكفى به تجديدا، وكفى به شرفا مجيدا.
ومازلنا ونحن بالمغرب نسمع أن هناك رجل بالمشرق يقال له د/خالد السبت، يحاول كذلك شق هذا الطريق، وإن نسيت فلن أنسى العالم الفذ د/ فاضل السامرائي، فلله هو وإخوانه ما أعظم أثرهم على الخلق، وما أجمل سيرتهم بين الناس، ومن نسيت ذكره من أهل الفضل فلن يضره بحمد الله نسياني.
ففي محدود علمي أن علم التفسير خاصة، لا يحتاج في هذا الزمن أكثر من السعي لنشره بين الناس، والتصدر لتعليمه وتقريب علومه، وإحياء درسه بين طلاب العلم، وإزالة النفرة الشديدة بين الناس وكتب التفسير.
ألا إن في إقبال الناس وطلاب العلم خاصة على تعلم علم التفسير وعلومه، لفتحا وتجديدا لما درس من معالمه مع الأيام والليالي. ومن رام تجديدا فليحاول في هذا الباب لعل وعسى.
ليس على الله بمستكثر ... أن يجمع العالم في واحد
*أين هم أساتذة التفسير وكراسيه الذين أثقلوا تلك الكراسي، ولم نرهم خلف سارية أو في زاوية من بيوت الله يعلمون كتاب الله؟، أم أن الأمر كما قال لي أحد الأخوة التلاد، لطالما هالنا ونحن نجلس على كراسي الدرس أيام الطلب، ونسمع ممن كان وظيفه لتعليم التفسير وعلومه ما يهول العقل، من أسماء طنانة رنانة، كالأخفش والزجاج والنحاس وقتادة ... ، حتى إذا عدلت بأحدهم عن مقرر التعليم، أخذ بك ذات اليمين وذات الشمال، وعلمت أنه ليس له من علمه إلا حرف الدال، ومثلهم أساتذة في النحو والأدب والفقه والحديث، اللهم إلا ثلة قليلة ألقت معاطفها وألقابها التي أثقلتها وأعمتها فنفعها الله ونفع بها.
وإني لأعد مثل هذا الملتقى التفسيري، من المشاريع التي يجب أن تتكاتف لها الجهود، وتتظافر لها الطاقات والهمم، حتى يتم المبتغي وينال المراد من إحياء هذا العلم الشريف، فهذه دعوة صادقة أشد بها يدي إخواني من طلاب العلم، لسقي هذه البذرة الطيبة، التي نبتت في أرض صالحة تتلاقح فيها العقول وتتقادح , فلعل الله يهيئ من ذلك ثمرة يقطف جناها الناس ولو بعد حين، وما يدريك فالله ذو الفضل العظيم.
ومع أن الكلام له ذيول طويلة، إلا أني آثرت الإيجاز حياء من أهل التفسير وظنا بوقتهم الخطير، وللحر كان طرق العصا، فماكتبت إلا تذكيرا لي ولإخواني الذين نأنس بما أبدعته لنا أناملهم في جوانب عديدة في هذا الملتقى، وقد فضلت عدم التعرض بتصريح أو تلويح لبعض الأسماء التي دعتني لكتابة ماكتبت، لعلمي أن الكمال عزيز وأن الناقد بصير، وأن ماذكرته ماهو إلا زلة مغمورة في بحر ما سطروه، وما أنا إلا منهم وبهم، ومن كان لك أكثره فليكن في هذا مايدعوك للتغاضي عن أيسره، فليتقبلوا ماذكرته بصدر رحب، ولهم غنمه وعلي غرمه.
وفق الله الجميع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الصناعتين للعسكري رحمه الله.
(2) ينظر (قضية اللفظ والمعنى ونظرية الشعر عند العرب) للدكتور أحمد الودرني.
*********
إهداء
وختاما فإني أسوق هذا المقال على عوره تهنئة لزينة الملتقى وقرة عينه، لحصوله على إجازة العالمية العالية (الدكتوراة)، ولقد زورت في نفسي وحبرت مقالا بهذه المناسبة، وشيته بحلل القريض والتقريض، ثم عدلت عن ذلك وماكان عدولي بحمد لله لعجز أو فتور، إنما خشية من عتاب أو نفور، وصدقوني جميعا إن من دواعي تأخرنا كأمة عربية مسلمة، عدم قولنا للمحسن أحسنت حتى يعلم إحسانه، وللمسيئ أسأت فيحذر الغمر إساءته، حتى أصبحت الدنيا كلها حظوظ وفتون، فقصر المبدع واستشرى من كان دون.
لقد أحسنت أباعبدالله ثم أحسنت ثم أحسنت، حتى لم تدع لمستزيد أو مزيد مايزيد.
أحسنت أولا: في اختيار الموضوع وهذا العنوان الفخم الذي هو لك وأنت له.
وأحسنت ثانيا: في هذا الإتقان العجيب في خطة البحث واستقصاء كل جوانبه.
وأحسنت ثالثا: في هذا الأدب الجم الذي بلغنا عن جلسة المناقشة، وكم كان يحف نسيمها من علم وافر وأدب عال.
فلا أقول: إلا أحسن الله إلى تلك الأقلام كما أحسنت إليك وقدرت جهدك وثمنت رسالتك، فأعطتها ما تستحقه من تشريف وامتياز.
حتى كان حديثكم كله إحسان مع إحسان، وكاد يختلط على جليسه الحبلان، و يتيه سامعه في التفريق بين من هو الباحث والمناقش والمشرفان، لحسن ماكان في ذاك المجلس من درر وفوائد مستغربة عن مثل هذا الميدان، وهذا والله مايغبط له أهل القرآن، فبارك الله لك فيما أعطاك وجعله سبب رفعتك في دنياك وأخراك.
هذا ولو كنت أملك من الأبل هنيدة أو مدفئة لسقت إليك أبا عبدالله كرامها، وأراك في قبولها صاحب الفضل، ولكن أحسب القائل: أكرم الهدايا علم نافع، ونصيحة موثوق بها، ومدحة صادقة، قد أحسن لي بجميل العذر.
¥