تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك من الخصوص بعد العموم، كما يقول أبو السعود، رحمه الله، فتلك هداية خاصة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الهداية العامة لجميع الكائنات، فالسين مئنة من قرب الوقوع فذلك آكد في تقرير المنة الشرعية على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه)، والالتفات إلى ضمير المتكلم مئنة من زيادة العناية، ومادة القراءة مادة كلية تدل على الجمع، فيقال: قريت الماء في الحوض إذا جمعته، فجمع القرآن: جمعه في الصدور فحفظت الآيات في صدور الذين آمنوا: (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)، وأول صدر جمع فيه التنزيل هو صدر النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالآيات قد نزلت على قلبه ابتداء، فكان مقدم القراء وإمامهم، فذلك الوجه الأول من حفظ الذكر فـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فأكد الفعل بضمير الفصل، فضلا عن تقديم ما حقه التأخير: (له)، وتصدير السياق بالناسخ المؤكد ودخول اللام على خبره: (لحافظون)، ثم جمع في السطور فذلك من كمال الحفظ، وإن لم يكن العمدة، فالأصل في تواتر نقل الكتاب العزيز: تواتر نقله مشافهة، فذلك وصف الأمة الخاتمة في الكتب السابقة وفي "الإبانة الكبرى" لابن بطة، رحمه الله، من وصف الكليم عليه السلام للأمة الخاتمة: "رب أجد في الألواح أمة أناجيلهم في قلوبهم يقرءونها. قال قتادة: (وكان من قبلكم إنما يقرءون كتابهم نظرا، فإذا رفعه من بين يديه، لم يحفظه ولم يعه، وإن الله أعطاكم أيتها الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا قبلكم). قال: «رب فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد» "، وذلك أمر قد طرده أهل العلم في بقية أجناس الرواية المحفوظة، كرواية الحديث، فحفظ الصدر هو الأصل المقدم على حفظ الكتاب، وذلك مما رد به المحققون من أهل العلم شبهة تأخر تدوين السنة، فقد حملتها صدور الرواة التي وسعت المئين والألوف من الروايات على نحو لا يتصوره أصحاب هذه الشبهة الباردة لبلادة أذهانهم، فلا عهد لعقولهم الخاملة وهممهم الدنية بتلك الأذهان الفاعلة والهمم العالية التي أكبت على السنة حفظا وتحريرا، تصحيحا وتضعيفا، جرحا وتعديلا للنقلة، ونوادرهم في دقة الضبط مما أثار دهشة أعداء الرسالة الخاتمة فأقروا لهذه الأمة بالريادة، وحملوا عنها معايير نقدهم الحديث، فالنقد التاريخي المعاصر ما هو إلا شعبة من شعب علم الرواية التي اختص به أهل الإسلام، وأهل السنة خصوصا، فهم أشد الناس عناية بحفظ أصول الديانة، فلم يكن الكتاب في الزمان الأول: عمدة في الحفظ، بل كتب من كتب ليحفظ، أو خشية النسيان الطارئ، فكان الأصل هو حفظ الصدور، وكان الفرع هو: حفظ الكتب، ومن ثم جاء الجمع العام أوائل القرن الثاني زمن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، فجمعت السنة وكتبت دفاتر وبعثت إلى الأمصار، فكان جمع عمر، رحمه الله، تتبعا للآثار، وتمحيصا لها، ومن ثم بعثت المادة المحققة إلى سائر الأمصار، ثم ظهرت دواوين للسنة جمعت المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والموقوف بل ضمنها أصحابها بعض أقوالهم كما فعل مالك، رحمه الله، في موطأه، فكتابه جامع للآثار المرفوعة والموقوفة فضلا عن أقضيته وفتاواه، ثم جاء القرن الثالث وهو: عصر الرواية الذهبي فجردت السنة المرفوعة في دواوين مرتبة على المسانيد، أو جامعة لأبواب الدين، أو جامعة لأحاديث الأحكام كالسنن الأربعة، ثم تواترت رواية هذه الكتب فتلقتها الأمة بما يقطع بصحة نسبتها إلى أصحابها، فتحقق الموعود الإلهي: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فالذكر يعم الكتاب والسنة، كما أثر عن ابن المبارك، رحمه الله، فقد قيض الله، عز وجل، للوضاعين من نفى خبثهم عن الأصل الثاني من أصول الدين، فوقى الله، عز وجل، الأمة الخاتمة شر ما ما اقترفه أحبار ورهبان الأمم الغابرة فـ: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير