تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، فكان علماء هذه الأمة خيرا من علماء بني إسرائيل، وإن شابهم، لا سيما في زماننا شائبة سوء سارت على خطى الأحبار المبدلين الكاتمين مداهنة لأصحاب السلطان والملك، ولا يضر المتقدمين ما اقترفت فئة ضالة من المتأخرين، فإذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث، كما كان عبادها خيرا من عباد النصارى فقد ساروا في الجملة على سنن التوسط والاعتدال، وإن جنحت فئة ضالة أخرى منهم إلى طريقة رهبان النصارى فغلوا وزادوا ما لم يأذن به الله، عز وجل، من الأحكام والأحوال، مضاهاة للشرع ومبالغة في التعبد بما لم يأت به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل قد نهى عنه وزجر: "لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"، والشاهد أن الكتاب العزيز قد حصل له الشاهدان: حفظ الصدر وحفظ الكتاب، فصدور الملايين في زماننا، مع كلل الأذهان واستنزاف قوى العقول في تحصيل علوم غير نافعة أو نفعها ضئيل لضعف الإمكانيات أو عدمها فهي علوم نظرية بحتة تشغل حيزا من الذاكرة بلا طائل، صدور الملايين مع ما تقدم من الصوارف والشواغل قد حوت آيات الكتاب العزيز فلا يقدر أحد على تبديل حرف واحد من التنزيل، فمذ جمع الخليفة عثمان، رضي الله عنه، الأمة على حرف قريش، فحسم مادة الفتنة، فاجتمعت الأمة على مصحف واحد نقل إلينا بالتواتر الذي يفيد العلم الضروري بصحة المنقول واستحالة التبديل شرعا وعقلا، مذ ذلك الحين وإلى يوم الناس هذا، والكتاب العزيز هو الكتاب العزيز بسوره وآياته، فأين ذلك من كتب شهد النقد التاريخي بتبديلها، فليس لها أسانيد متصلة إلى من نزلت عليه من الرسل عليهم السلام، فهي مدونات اجتهد التلاميذ في تقييدها، فحصل التباين بتباين حوافظ وعقول المدونين، فضلا عن التناقض الرهيب بين المخطوطات القديمة لها، والمطبوعات الحديثة التي استندت إلى مخطوطات متباينة، فظهر التحريف جليا، ولا زال مستمرا إلى يوم الناس هذا لعدم وجود أصل محقق يرجع إليه عند الاختلاف، فكل يدعي أن نسخته هي الصحيحة، وليس له دليل إلا دعواه التي يكذبها النقد التاريخي الذي قام به علماء تلك الملل، فاعترفوا بأنفسهم باستحالة العثور على أصول صحيحة لم تسلم من التبديل لهذه الكتب، بل قد جهلت أعيان بعض من دون الكتب الأولى، فالإسناد مقطوع والكاتب مجهول!، فمن أراد أن يزيد أو ينقص في تلك الكتب فلن يفطن له أحد!، لجهل الأتباع وفساد نوايا المتبوعين فهم الذين بدلوا بما يلائم أهواءهم، فظهر بذلك عموم المنة على أمة الإسلام، وخصوص المنة على النبي الخاتم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصدره أول صدر جمع فيه التنزيل، فجاء فعل الإقراء المتعدي بصيغة الجمع مئنة من كمال العناية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واكتملت المنة بالخبر الذي جرى مجرى الوعد الرباني المحقق، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فاكتملت المنة بالإيجاب: (سنقرئك)، وبالسلب: (فلا تنسى)، فحذف المعمول مئنة من العموم، وجاء التخصيص المتصل عقيبه: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ: فذلك مئنة من عموم المشيئة الربانية العامة في قول، فلا يلزم منه وقوعه، بل ذلك جار مجرى قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا)، ولكنه لم يشأ فوقع منهم الشرك، وقد حمله بعض أهل العلم على النسخ، فذلك من قبيل قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فالنسيان للمنسوخ من رحمة الرب، جل وعلا، بالأمة لئلا يختلط المنسوخ بالمحكم فيزاد في الكتاب العزيز ما ليس منه، وحمله بعض ثالث على النسيان الجبلي الذي يعرض لكل أحد، فذلك من قبيل حديث أبي رضي الله عنه: "وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط آية في قراءته في الصلاة فسأله أبَيّ بن كعب أُنسِخَتْ؟ فقال: «نسيتُها» "، فلا يلزم منه بداهة ضياع شيء من التنزيل، فإذا نسي النبي صلى الله عليه وعلى آله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير