تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى: فذلك من أمر الإيجاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المخاطب به مواجهة، والملزم به ابتداء، فذلك مقتضى منصب الرسالة، فليس له إلا التذكير بالبيان الشرعي، فهدايته: إرشاد للمكلفين إلى سلوك سبيل الهدى والرشاد الذي تحصل النجاة بسلوكه، فيرشد الضال، ويرد الصائل على الشريعة بحديد الشرع الناصر، فيدفع العدو، ويطلبه في داره ليزيل حكم الطاغوت من أرض الله، عز وجل، فالعاقبة له وللمتقين، فتصير كل الدور: دور إسلام، فنزول مسيح الهدى عليه السلام بسيف الاستئصال لمسيح الضلالة، ولكل دين يخالف دين الإسلام: دين الرسل عليهم السلام الجامع، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فإما الإسلام وإما السيف، نزوله عليه السلام على هذا النحو من تأويل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فبعث على حد التشريع بالهدى ودين الحق فأظهره الله، عز وجل، كتابا هاديا وسيفا ناصرا، ثم كسر السيف، كما هي الحال في زماننا، وبقي الكتاب الهادي الذي أقرأه الرب، جل وعلا، نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم ينس منه شيئا، ولم ينس الربانيون من أحبار أمته منه شيئا فردوا عنه سيوف التحريف لمبانيه والتأويل لمعانيه بسيوف الحجج الدامغة الدافعة لكل شبهة ترد على الوحي لفظا أو معنى، ثم يعود الأمر كما كان، في آخر الزمان، فيرجع السيف الناصر ليعضد الكتاب الهادي الذي لم تنكسر حجته من لدن نزل وإلى أن يرفع من الأرض، فلم ولن يقدر أحد على معارضته بحجة صحيحة صريحة فغايته أن يثير شبهة قديمة، فجل الشبهات المعاصرة: سرقات علمية رديئة لكناسة أذهان رءوس المقالات الحادثة، بل قد كان الأولون، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين أعلم وأقعد، بخلاف مثيري الشبهات في زماننا فلا منطق ولا علم، وإنما ترديد لكلام غيرهم مع سوء أدب في الطرح يدل على خسة في النفس ولؤم في الطبع، ولو علم الله، عز وجل، فيهم خيرا لأسمعهم، فصاروا من جند الرسالة، ولكنه، تبارك وتعالى، بعلمه المحيط قد اطلع على مكنون صدورهم فعلم فساد محالهم فلا تقبل آثار الوحي الرحماني النافع، فقبلت لزوما آثار ضده من الوحي الشيطاني الفاسد، فالشاهد أن الظهور سيكتمل في آخر الزمان كما اكتمل في أوله، فتتجدد المنة الربانية العظمى باكتمال أمر الدين، فكما اكتمل سلطان حجته فـ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، سيكتمل، إن شاء الله، تحقيقا لا تعليقا سلطان حديده الناصر فـ: "لا يبقى على وجه الأرض بيت مَدَر ولا وَبَر، إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعزِّ عزيز، أو بذلِّ ذليل، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها".

وجاء التقييد بالشرط من قبيل تعليق الحكم برجحان الظن بحصول الانتفاع بالذكرى، فلا تكون لكل أحد، وذلك من فقه الدعوة إلى الله، عز وجل، فأفاد الكلام بمنطوقه: التذكير إن نفعت الذكرى، فذلك شطر الإيجاب، وأفاد بمفهومه: عدم التذكير إن لم تنفع، فذلك شطر السلب. ولذلك قال بعض أهل العلم بجواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن غلب على الظن عدم انتفاع المأمور به أو المنهي عنه، بل قد يتولد من ذلك شر أعظم فيكون الفقه، كل الفقه، درء المفسدة العظمى بزيادة المنكر، بالمفسدة الصغرى باحتماله كما هو، فبعض الشر أهون من بعض، وعليه حمل بعض أهل العلم سكوت الصحابة، رضي الله عنهم، عن الإنكار على بعض ولاة الجور الذين أدركوهم بعد انقضاء عصر الخلافة الراشدة والإمارة العادلة، فلم يسكتوا جبنا أو مداهنة، وإنما نظروا بعين الفقيه الذي يصبر على الأدنى دفعا للأعلى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير