تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي المقابل، وعلى سبيل استيفاء شطري القسمة العقلية في باب: الهدى والضلال، فذلك جار مجرى المقابلة أو الطباق:

وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى: فيصرف عنها لكبره، فـ: (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)، فيتجنبها مختارا بإرادته التي لا تخرج عن مشيئة الرب، جل وعلا، العامة النافذة، فالرب، عز وجل، صارف له عنها بعدله فليس أهلا لها، لعدم قبول محله لآثارها، وهو منصرف عنها بما خلق الرب، جل وعلا، فيه من طاقة الإعراض عن قبول الحق، فهو فعل، وإن كان تركا للحق، فالترك فعل على الراجح من أقوال أهل الأصول فهو أمر وجودي من هذا الوجه فالفعل لا بد له من وجود في عالم الشهادة لتعلق به علم الرب، جل وعلا، الثاني: علم الإحصاء والكتابة، فيصير محلا قابلا لآثار صفات جمال الرب، جل وعلا، إن كان طاعة، أو لآثار صفات جلاله، عز وجل، إن كان معصية، وهو، من جهة أخرى، شر، والشر مرجعه إلى عدم أسباب الخير، فهو أمر عدمي من هذا الوجه إذ قد قطع الرب، جل وعلا، إمداد الخير عن قلبه، لما علمه من فساد محله، فليس ذلك، كما تقدم، من الحكمة في شيء، ولله المثل الأعلى، والشاهد أن الفعل لا يكون إلا بطاقة يخلقها الرب، جل وعلا، في الفاعل، فتلك هي الاستطاعة الشرعية: متعلق التكليف، فلا تكليف إلا بمعلوم مقدور معدوم لمَّا يقع من المكلف بعد، فإذا وقع سقط به التكليف، ولا يقع بداهة إلا إذا كان معلوما متصورا، مقدورا فآلات الفعل صحيحة، فذلك حد الاستطاعة الشرعية، ومع هذه الطاقة يخلق الرب، جل وعلا، نفس الفعل، فتلك هي الاستطاعة الكونية، فيخلق فعل الخير في الطائع فضلا، ويخلق فعل الشر في العاصي عدلا، فحصلت الهداية البيانية فـ: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، بيانا: بالإرشاد إلى نجد الخير، والتحذير من نجد الشر، فبذلك بعث الرسل، عليهم السلام، فصرف إليها الطائع بفضل الرب، جل وعلا، وصرف عنها العاصي بعدله، عز وجل، ولا يظلم ربك أحدا، فالخلق من ظلم الرب، جل وعلا، لهم في مأمن، فهو القادر على ظلمهم لطلاقة مشيئته، ولكنه تنزه عنه لاتصافه بكمال ضده من العدل والحكمة.

و: "أل" في: "الأشقى": إما أن تكون عهدية، على ما اطرد في نحو قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى)، بحمله على الصديق، رضي الله عنه، خصوصا، فاسم التفضيل مظنة العهد، فيكون العهد مشيرا إلى شقي بعينه، جاء في الأثر أنه: عتبة بن ربيعة أو الوليد بن المغيرة، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، أو يقال بعموم المعنى وإن كان اللفظ والسبب مظنة الخصوص أو مئنة منه، فكل شقي قد صرف عن آيات الرب، جل وعلا، الشرعية الهادية، فضل عن الأمر الشرعي الحاكم بالأمر الكوني النافذ، فامتاز الناس إلى مؤمن وكافر، سعيد وشقي، فوقع بينهم من التدافع ما ظهرت به آثار صفات الباري، عز وجل، جمالا وجلالا، فرحم المؤمنين فذلك من وصف جماله، وعذب الكافرين فذلك من وصف جلاله، وأهلك أعداء الرسل وأظهر مقالة الحق التي جاءت بها النبوات، فظهرت حجة الدين البالغة، ولو كره المشركون، فغايتهم أن يظهروا بسيفهم فيقهروا أبدانا ويستميلوا قلوبا فاسدة لا خير فيها يرتجى فهي على رسم النفاق فلا تضر الحق شيئا بل قد انتفع الحق بذلك فانتفى خبثه، وامتاز جنده: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 04 - 2010, 08:03 ص]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير