تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للعدالة الاجتماعية، لم تفهم من العدل إلا الظلم بالتسوية بين المتباينات!، فتساوى كل الأفراد وإن اختلفت المواهب والملكات فكل قد صار رقيقا في مزارع ومصانع الحزب، والعائد قد آل إلى الرفاق من أعضاء الحزب بعد أن كان لأصحاب المزارع في عهود الإقطاع والرجعية فانتقل الشعب من رق الإقطاع إلى رق الشيوعية برسم الحرية، ثم ثارت الشعوب فانتقلت من قيد الشيوعية الظالم إلى انفلات الرأسمالية فمن عبودية الدولة إلى عبودية اقتصاد السوق الحر الذي لا يعرف إلا الأقوياء من أصحاب المصانع والمؤسسات المالية العملاقة، فهم السادة الجدد للعالم بعد جيل أصحاب الإقطاعات، ورفاق الحزب، فلا زالت البشرية في قيد العبودية لغير الرب، جل وعلا، بعدولها، رغم توالي النكبات التي يعتبر بها أولوا الألباب، بعدولها عن طريق النجاة: طريق النبوات، معدن صلاح الدارين وإن جهل من جهل، فالعيب في عقله لا في الوحي، أو شكك من شكك فالعيب في مقصده لا في الوحي، فلا يعارضه إلا جاهل أو جاحد، والتاريخ، وهو شاهد العدل في مثل هذه المضائق، شاهد بما يقع من الصلاح في الأرض، حالا ومآلا، أفرادا وجماعات، إذا ولي الوحي الصحيح الحكم، فإن عزل فتولى وحي مبدل كتبته أيدي البشر لتسترق به القلوب والأبدان فتعبدها لأرباب غير الله، عز وجل، كما كان حال أوروبا قبل ثورتها المتطرفة على الكنيسة المتطرفة!، فانتقلت من تطرف إلى تطرف لإعراضها عن النبوة الصحيحة جحودا واستكبارا، فمن وحي أملاه عقل الكنيسة إلى وحي أملاه عقل المجتمع، فانتقلت أوروبا من عقد الكنيسة المتطرف إلى عقد العلمانية المتطرف، فمن عبادة الغير إلى عبادة النفس، فهي أولى بذلك على أقل تقدير، فما الفارق بين الاثنين ليعدل العاقل عن عبادة نفسه إلى عبادة غيره!، ولا زالت البشرية ضالة عن المعبود بحق تبارك وتعالى.

ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى: فذلك من الإطناب في معرض النكاية، فجاء الطباق مستغرقا لشطري القسمة العقلية: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ)، ولا يحيون، فذلك من الاحتراس، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلا يحيون حياة كاملة، فإنه قد يتبادر إلى الذهن من نفي الموت أن لهم نوع حياة بلا ألم، فجاء نفي الحياة نفيا للحياة المستقرة، فليس نفيا لها من كل وجه، بل تقدير الكلام: ولا يحيون فيها حياة مستقرة، فحياتهم كلا حياة فصح نفيها من هذا الوجه، بل الموت، عند التحقيق خير منها، فذلك فرع عن حياتهم الأولى: حياة: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)، فالموت، أيضا، خير منها، ولذلك يقدم كثير من ضلال البشر، لعدولهم عن طريق النبوة الصحيحة، على إنهاء تلك الحياة، فإذا كان ذلك جائزا في الدار الأولى مع أنه عند التحقيق انتقال من عذاب أدنى إلى عذاب أكبر، فإذا كان جائزا في هذه الدار، فإنه غير جائز في الدار الآخرة فـ: "يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ".

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وههنا حياة أخرى غير الحياة الطبيعية الحيوانية نسبتها إلى القلب كنسبة حياة البدن إليه فإذا أمد عبده بتلك الحياة أثمرت له من محبته وإجلاله وتعظيمه والحياء منه ومراقبته وطاعته مثل ما تثمر حياة البدن له من التصرف والفعل وسعادة النفس ونجاتها وفلاحها بهذه الحياة وهي حياة دائمة سرمدية لا تنقطع ومتى فقدت هذه الحياة واعتاضت عنها بحياتها الطبيعية الحيوانية كانت ضالة معذبة شقية ولم تسترح راحة الأموات ولم تعش عيش الأحياء كما قال تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} فإن الجزاء من جنس العمل فإنه في الدنيا لما لم يحي الحياة النافعة الحقيقية التي خلق لها بل كانت حياته من جنس حياة البهائم ولم يكن ميتا عديم الإحساس كانت حياته في الآخرة كذلك فإن مقصود الحياة حصول ما ينتفع به ويلتذ به والحي لا بد له من لذة أو ألم فإذا لم تحصل له اللذة لم يحصل له مقصود الحياة كمن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير