تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سبب، قطعا للتسلسل في المؤثرين، فهو منتف شرعا وعقلا، فترد الأسباب المخلوقة كلها في آخر أمرها إلى سبب غير مخلوق، هو: كلمات الرب، جل وعلا، الكونية النافذة، فهي عن وصف قدرته وحكمته صادرة، فإذا شاء تكلم بها، فوقع المقدور في عالم الشهادة كما قد علمه أزلا في عالم الغيب، فبعلمه الأول قدر، ثم بمشيئته وقدرته: أوجد، ثم بعلمه الثاني: أحصى ونسي عباده!.

وله التمانع في الربوبية تشريعا: وإن زعم له طواغيت البشر شركاء في حكمه، فتلك صورة قديمة حديثة من صور الشرك في الربوبية، صورة: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، فطاعتهم في التحليل، وإن أحلوا ما حرم الله عز وجل، والتحريم، وإن حرموا ما أحل الله، عز وجل، ظنا منهم أن المصلحة فيما اعتبروه وإن ألغاه الشارع، عز وجل، والمفسدة فيما ألغوه، وإن اعتبره الشارع، عز وجل، تلك الطاعة هي: عين اتخاذهم أربابا من دون الله، عز وجل، فلسان حالهم الردية: تقديم قياس أو ذوق أولئك الطواغيت على علم وحكمة الرب الجليل الكريم، تبارك وتعالى، فلا يخلو ذلك من قدح في صفات كماله، بتقديم آثار وصف البشر الناقص، على آثار وصفه الكامل، فإن كلماته الشرعية الحاكمة ككلماته الكونية النافذة: قد صدرت من وصف كماله الأول، فله الكمال المطلق ذاتا وأسماء وصفات وأفعالا، كما تقدم في مواضع عدة فذلك مما ينبغي التذكير به في كل وقت، فمن قدم عليها آثار وصف البشر، مع ما يعتري العقول من التفاوت والاضطراب، وما تميل إليه من الأهواء والشهوات، فكم من شبهة أفسدت علومها وتصوراتها، وكم من شهوة أفسدت إراداتها وأعمالها، من قدم عليها نتاج عقول هذا وصفها من النقص اللازم الذي لا ينفك عنها، فقد اتخذ أصحاب تلك العقول أربابا من دون الله، عز وجل، بلسان حاله، وإن أنكر بلسان مقاله، وليس المراد إصدار الأحكام على الأعيان، وإنما المراد بيان وجه الفساد على سبيل المناصحة: ليحذر منه فيجتنب، فإن أولئك الأحبار والرهبان، وكان طغيانهم برسم الدين، ومتشرعي هذا الزمان، كما يسميهم بعض الفضلاء المعاصرين، فليس الشرع لهم وصفا، وإنما هو مما انتحلوه زورا فنازعوا الرب، جل وعلا، فيه، ظلما وعدوانا، فطغيانهم برسم الدنيا، كل أولئك: الفقر لهم وصف لازم فهو مما جبلت عليه النفوس، والنقص في التدبير والتنفيذ أظهر أماراته، والفقير إلى الغني ملتجئ، فالأول لا ينفك عن الحاجة التي تحمله على اتباع الهوى تحصيلا لحاجته وسدا لخلته، فيظلم ويبغي، وليس تلك بحال يؤتمن صاحبها على سن الشرائع التي يتحقق بها العدل، بينما الثاني: على الضد من ذلك فهو غني لا يفتقر إلى سبب، فلا يميل به هوى، فلا يحكم إلا بالعدل، إذ لا أرب له فيما أجرى على عباده من الأرزاق فـ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)، فما خلقهم إلا ليعبدوه، ولا يكون ذلك إلا بإقامة شرائعه في كل أمور الحياة: علمية كانت أو عملية، فردية كانت أو جماعية، محلية كانت أو دولية، فأحكام الشريعة قد عمت كل ذلك، ففيها التصورات العلمية النافعة، وفيها الأحكام العملية الصالحة، وفيها الشرائع الحاكمة بين أفراد الجماعة المسلمة فيما يقع بينهم من المنازعات، وفيها الشرائع الحاكمة بينهم وبين أفراد بقية الأمم فذلك "القانون الدولي الخاص"، وفيها الشرائع الحاكمة بين الجماعات والأمم فذلك "القانون الدولي العام"، ففيها: العقائد والشرائع والأخلاق والسياسات ..... إلخ، فذيل بكمال غناه عنهم فلا حاجة له بهم ليرزقوه أو يطعموه أو ينصروه على عدو ينازعه، أو شريك يدافعه، فلا شريك له من أولئك الشركاء الذين اعتقد المشركون لهم شراكة في الكون: تدبيرا أو تشريعا، فالرب، جل وعلا، هو المنفرد بالتدبير والتشريع، وهو المستحق للإفراد بالعبودية والتأليه.

وتحتمل الإضافة في "شركاؤهم" معنى آخر هو:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير