تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعظام قوام البدن فنفي جمعها نفي لجمع ما يكسوها من اللحم والعصب بداهة، فيكون الإنكار في معرض إبطال ذلك مثبتا لضده، كما تقدم، فالله، عز وجل، قادر، على جهة التعظيم، "قادرين"، الذي يلائم سياق الخلق، فذلك من أدلة الإيجاد المعجز بنشر الأجساد بعد البلى، فهو، عز وجل، قادر على جمع العظام ونشزها، وقد وقع مثال لذلك في عالم الشهادة في معرض إثبات البعث بإيراد صورة منه في قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

ثم جاء الإبطال لمعتقدهم بـ: "بلى"، فبلى نجمعها قادرين، فحذف عامل الحال لدلالة فعل الجمع في الاستفهام المتقدم عليه، فذلك من إيجاز الحذف لما قد دل عليه السياق اقتضاء أو إشارة، وهو أمر قد اطرد في الكتاب العزيز، فمبناه الإيجاز ومعناه الإطناب وذلك من أوجه إعجازه اللفظي.

وأشار البغوي، رحمه الله، إلى وجه آخر، يكون فيه النص على ذكر العظام في هذا السياق من باب رد الشبهة التي وردت في موضع آخر من التنزيل في قوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)، فذلك على وزان ما تقدم من نفي تهمة الجنون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالتهمة قد وردت في موضع، وإبطالها قد ورد في موضع آخر، فكذلك الشأن هنا، وإن كانت الشبهة قد دحضت في موضعها فجاء عقيبها: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)، فذلك من دلالة قياس الأولى فمن أنشأ بدعا من العدم فهو قادر على الإعادة ثانيا، وهو ما استعمل في هذا الموضع، أيضا، كما تقدم، فقياس الأولى هنا معتبر من وجه آخر: فمن قدر على تسوية عظام البنان وهي من الدقة بمكان فهو قادر على تسوية سائر العظام، وقد عزاه البغوي، رحمه الله، إلى الزجاج وابن قتيبة رحمهما الله.

وأشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى وجه قريب من ذلك يكون فيه جمع البنان من باب ذكر الشيء بذكر منتهاه فالبنان آخر ما يجمع من العظام لدقته، فجمعه دال من باب أولى على جمع ما هو أعظم منه من العظام.

وأشار، البغوي، رحمه الله، إلى وجه ثان يكون فيه الإبطال ببلى من جهة المبالغة في الرد فبلى قادرين على ذلك بل على أعظم منه من تسوية البنان فتصير كلها على صفة واحدة كخف البعير وحافر الحمار فلا ينتفع بها في أكل أو كتابة أو في أي صناعة دقيقة، فذلك من أوجه الإيجاد الرباني المعجز، وقد دل العلم الحديث على طرف من ذلك فلا يستوي بنانان في في التركيب من كل وجه وإن تشابها في الخلق، فتعاريج الجلد الدقيقة في كل بنان تغاير سائرها، فلا تستوي عند إنسان وآخر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 05 - 2010, 08:38 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ):

فذلك إضراب انتقالي إلى بيان بعض أحوال الإنسان، وهو محمول على الكافر، لدلالة السياق، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالخطاب من أول السورة متوجه إلى الكافر، فـ: "أل" عهدية تشير إلى نوع بعينه يندرج تحت جنس الإنسان الكلي، هو نوع الكافر، فحصل الخصوص العهدي من وجه بقصر الجنس على نوع بعينه، وحصل العموم لاندراج أفراد النوع تحته، فذلك حال الكافر فهو في إرادة مستمرة، دل عليها المضارع فهو مئنة من التجدد والاستمرار، للفجور في مستقبل أيامه، فذلك مئنة من الإصرار الجازم على ارتكاب المعصية فهو مريد مترصد، وذلك أقطع للعذر، فـ: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"، فلا حساب على الخواطر التي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير