تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الجزئي على جوارحه، فذلك، كما تقدم، من التلازم العقلي الوثيق بمكان، وتأمل حال أصحاب مقالة الإرجاء، على سبيل المثال، كيف هان عليهم أمر العمل، لما أخرجوه من مسمى الإيمان، فخالفوا في أصل كلي، بمقالة علمية حادثة، رقت بها أديانهم، لتفريطهم في العمل، فذلك هو الأثر اللازم عقلا لتلك المقالة، فمن هون من شأن الوعيد على ترك العمل، بل وجعل العمل أمرا خارجا عن حقيقة الإيمان، فليس ثم إلا تصديق باطن وقول ظاهر، وهو، عند التحقيق، ليس بذاك التصديق، فلو كان تصديقا على جهة الإقرار والجزم، ما تخلف العمل، بل لظهر أثر ذلك إذا صحت الآلة وانتفى المانع، كما تقدم، بخلاف من افترض فرضا عقليا محضا لا وجود له في عالم الشهادة، فجرد إيمانا كاملا جازما في القلب، وجوز أن يكون هذا الإيمان باردا خاملا لا يحمل صاحبه على مباشرة ما يؤيده ويشهد له، فذلك أمر يعارض ما جبلت عليه النفس البشرية من قوى الحس والحركة، بل كل مؤمن، ولو آمن بمقالة باطلة، يتحرق شوقا لنصرتها، فينهض في عزم أكيد، يثير الدهشة في كثير من الأحيان، إلى نصرة ما آمن به وانتحله من المقالات الأرضية الحادثة التي لا مستند لها من وحي ولو مبدل، ولعل الثائر الأرجنتيني الشهير: "جيفارا" خير شاهد على ذلك، فهو ممن آمن ومشى وصبر على آلهته، فاعتنق الشيوعية بإخلاص، فدخل في هذه النحلة كافة!، فهو أقوى إيمانا من الرفقاء الذين وضعوا تلك المقالة الفاسدة، ولكنه لقصور علمه بالنبوات، على وجه لا يعذر به فليس زمانه زمان جهل بالنبوات بل قد نشأ في بلاد تعرف جنس النبوة، وإن كانت مبدلة، ورحل إلى الشرق المسلم، فبلغه خبر النبوة الخاتمة يقينا، ولكنه اختار انتحال ما يعارض النبوات إجمالا وتفصيلا من مقالة أرضية تعارض الشرع والعقل والفطر المركوزة في النفوس، وإن تكلف لها منتحلوها ما تكلفوا من الحجج الواهية التي وصلت إلى حد الاستدلال لها من نصوص الشريعة الخاتمة، كما قد صنع أرباب الشيوعية والمسخ المتولد منها والمسمى بـ: الاشتراكية التي راجت في بلاد الإسلام في عقود الظلام من القرن الماضي إذ بسقوط الخلافة العثمانية حصل في النفوس فراغ فكري للبعد عن مقررات النبوة التي تسد خلل القلوب وتشبع نهم النفوس بغذاء الوحي المريء، الذي لا تطيقه إلا النفوس الكبار، فهو ثقيل أيما ثقل، فـ: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلا)، وحصل في الأمصار، لا سيما مع وقوعها في قبضة الاحتلال الذي شن حملته الصليبية الحديثة على أمصار وعقول المسلمين فلم يكتف كالمرة السابقة بغزو الأمصار بل قد تهيأت له من أسباب المدنية الحديثة ما أغرى كثيرا من سفهاء المسلمين لا سيما مع حال التخلف الحضاري، للبعد عن أسباب الدين الصحيح، والمدني لعدم الأخذ بأسباب الدنيا وتسويغ ذلك والاحتجاج له من الشريعة زورا وبهتانا، فصار القعود برسم الجبر والعجز: رضا بالقضاء والقدر، فخذل المسلمون عن العمل والإنتاج، بل وعن جهاد المحتل دفعا، بعد أن كان الجيل الأول الذي فهم هذه الرسالة: فهما دقيقا، قد علم شمولها لكل جانب في الحياة، فهي رسالة علمية مصححة للقلوب والإرادات، رسالة عملية مصححة للشعائر والعبادات، رسالة سياسية مصححة لأمور الملك والسلطان، فبها تزول عروش المتملكة والمتأمرة برسم الجور والطغيان، ولذلك رفضها الطواغيت قديما وحديثا، فرفضها هرقل، مع أنه صدق بخبرها، فلم ينفعه هذا التصديق إذ لم يشفعه بالانقياد، فآثر الفاني على النعيم الباقي بخلاف النجاشي، رحمه الله، الذي آمن باطنا وظاهرا، ولكنه كان على رسم مؤمن فرعون، فكتم إيمانه، ولم يقدر على الهجرة إلى دار الإسلام ليظهر شعائره، فيصدق ظاهره باطنه، فتخلف العمل الظاهر المصدق للعلم الباطن لقيام العذر في حقه، بخلاف هرقل الذي صدق، ولكنه لم يؤمن باطنا أو ظاهرا من باب أولى، وذلك دليل قوي يبطل مقالة من قصر الإيمان على التصديق الباطن، فلا بد أن يشفع بإقرار جازم تظهر آثاره على الجوارح لزوما إلا لعارض يطرأ، فيعذر صاحبه، كما قد عذر النجاشي، رحمه الله، فلم ينتف المانع في حقه، فتخلف عمل الظاهر، ولو استطاع لأظهره، والشاهد أن رسالة الإسلام تبطل رسوم الطواغيت القيصرية والكسروية في كل عصر ومصر،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير