تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك كان طواغيت البشر الذين يدعون الناس إلى عبادتهم بلسان المقال أو الحال، برسم الدين كأحبار ورهبان وعلماء السوء، أو برسم الدنيا كملوك الجور الذين يبطلون الشرع فيتحاكمون إلى غيره، ويصدون عنه صدودا إذا دعوا إليه، لعلمهم بأنه ينزع رياساتهم الجائرة فيرد السلطان إلى النبوة التي تسويهم بآحاد رعاياهم، وليس ذلك بمرضي عند الأكاسرة والقياصرة في كل الأزمنة، فكان لزاما على الصدر الأول، رضي الله عنهم، أن يسلوا سيوف الحق طلبا لأولئك، ليزيلوا رسومهم ويحرروا شعوب العالم القديم من رق الطواغيت، فتلك رسالة الإسلام السياسية والعسكرية، فالحرب فيها آلة فاعلة لإزالة الملل والطرائق الباطلة، فلم يكن القتال مرادا لذاته، بل كان الوسيلة التي حصل بها البلاغ وقامت بها الحجة بمقتضى سنة المدافعة الكونية، فقد شرع الرب، جل وعلا، لمدافعة الكفار: سنة الجهاد الشرعية، دفعا زمن الضعف، وطلبا زمن القوة، وهي التي يراد الآن إبطالها أو تزييفها كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين باختيار أسماء لطيفة لها لا تفزع الغرب أو تقلق مضجعه!، من قبيل: المقاومة، وحق الدفاع المشروع عن النفس، فسنة الجهاد الشرعي، وهو نوع مدافعة بإعداد السبب المقدور من جند وعتاد، تقابل سنة المدافعة الكونية الواقعة، لزوما، فلن يسلم الكافر أو الزنديق للمؤمن إن أراد أن يدعو لطريقته، لوقوع التعارض بينها وبين أهوائه، بل لن يسلم العاصي أو الفاجر الذي يشارك المؤمن الأصل، لن يسلم له مع وحدة الأصل إن رام الإنكار عليه، ولو باللسان، انتصارا لطريقة الحق، فكيف بمن يخالفه الأصل الأول؟! أيتركه يذيع في الملأ ما يزيل سلطانه الفكري ابتداء فهو المنشئ لما بعده من السلطان السياسي والعسكري والاقتصادي ....... إلخ، أم ينافح عن حضارته، ولو كانت، فاسدة لا مستند لها من نقل أو عقل بل محض أهواء وشهوات؟!، فلا بد أن ينتصر لنفسه وأن يعادي من خالفه بمقتضى ما ركز في النفوس من قوى حب الموافق وبغض المخالف، وأي خطر أعظم من خطر من يخالفك الديانة، فظهور مقالته إبطال لمقالتك وإزالة لطريقتك، فما خير في الحياة بعد ذلك؟!، بل لو قعد أهل الحق لطلبهم أهل الباطل، كما هي حال زماننا، فما تسلط اليهود والنصارى والهندوس ....... إلخ من الملل والنحل على أهل الحق إلا لتفريطهم في الحق الذي بين أيديهم، فزهدوا فيه، بل وازدراه بعضهم فسخر منه جهرة، فأخذت الجميع صاعقة العذاب الهون بتسلط شذاذ الآفاق على أهل الإيمان، فجاءت العقوبة عامة لشؤم المعصية وإن كانت خاصة فضررها متعد لا محالة برسم: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"، والشاهد أنه لا بد من سيف ينافح به عن الحق دفعا، وينتشر به طلبا، ولكل زمان فقهه، فليس القتال، كما تقدم، مرادا لذاته.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"من المعلوم أن القتال إنما شرع للضرورة ولو أن الناس آمنوا بالبرهان والآيات لما احتيج إلى القتال فبيان آيات الإسلام وبراهينه واجب مطلقا وجوبا أصليا.

وأما الجهاد فمشروع للضرورة فكيف يكون هذا مانعا من ذلك". اهـ

"الجواب الصحيح"، (1/ 147).

والشاهد أن "جيفارا" وهو منشأ هذا الاستطراد قد تلبس بمقالته فتحرك لها باطنه وظاهره فجاب الآفاق وقطع المفاوز بل عبر المحيط الأطلنطي ليذيع في الناس خبره، فهو داعي صدق إلى ضلالة!، وما ذلك إلا لنهوض ظاهره لتصديق باطنه، فما رضي بالقعود حتى قتل شهيدا في سبيل شيوعية ماركس ولينين، وذلك ما لم يقدمه أولئك للشيوعية، فهو أكثر إخلاصا لها منهم!، وحال كثير من دعاة الضلالة في سائر الأمصار والأعصار يدل على ذلك التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فلا بد أن يتحرك القلب أولا ليتحرك البدن، فعنه يصدر وبأمره يعمل. فكل إناء بما فيه ينضح، وكل صاحب مقالة يؤمن بها، يتحرك بدنه لنصرتها، وإنما تتفاوت الاستجابة والمسارعة تبعا للتفاوت في التصديق والإقرار الجازم بها، فيقع بين الناس من التفاوت في مراتب العمل ما لا يعلمه إلا الرب، جل وعلا، خالق التصورات والإرادات الباطنة، وما يصدر عنها من الأعمال الظاهرة المصدقة لها جزما لا شك فيه،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير