تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فتفاوت الثانية فرع عن تفاوت الأولى، ولذلك ندبت المسارعة إلى الخيرات: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)، و: (سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، و: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، لأنها برهان صحيح سالم من المعارضة على إيمان الفاعل، فمن دعي إلى شريعة الوحي الصادق، فإنه يلبي النداء بقدر ما وقر في قلبه من الإيمان، بخلاف المنافق، فإنه، وإن عمل بظاهره إلا أنه متكاسل متثاقل، فـ: "لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ"، لعظم المشقة التي تميز الخبيث من الطيب، وقل مثل ذلك في كل تكليف شرعي، فهو ابتلاء رباني لإظهار مكنون الصدور من الانقياد أو الانفلات، فتقام الحجة على المكلف من فعله، فـ: (قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، و: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)، فنفى كير أحد خبث المنافقين وعلمت حال كثير منهم، علما تقوم به الحجة فهو مناط الثواب والعقاب، فبه ظهر معلوم الرب، جل وعلا، الأول فيهم، فجاء اللاحق تأويلا للسابق بلا زيادة أو نقصان، كما تقدم، فعلمت أعيان كثير منهم: لا سيما رأسهم ومقدمهم: عبد الله بن أبي بن سلول، وعلمت أحوالهم فهي معايير عامة تصلح لتمييز المؤمن من المنافق حال ورود أي نازلة كونية يبتلي بها الرب، جل وعلا، عباده، ليمتازوا بظواهرهم تبعا لما قام ببواطنهم.

ومما يؤيد التفسير الثاني وهو: التكذيب، فالفجر مادة تدل على الكذب، كما أشار إلى ذلك صاحب "اللسان" رحمه الله بقوله: "وفَجَرَ فُجُوراً أَي فسق وفَجَر إِذا كذب وأَصله الميل والفاجرُ المائل". اهـ، مما يؤيد هذا التفسير الاستفهام: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ)، فذلك مئنة من التهكم الذي يدل على تكذيب صاحبه بالخبر، وذلك شأن المستهزئين في كل زمان، فهم مكذبون بيوم الدين، مستهزئون بوعيد رب العالمين فـ: (مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)، وما ذلك إلا لفساد تصورهم، فمقاصدهم قد بلغت الغاية في السوء، فعاقبهم الرب، جل وعلا، بقطع إمداد الحق عن قلوبهم ففسد تصورهم العلمي على نحو جعلهم يستهزئون بأمر ترتجف منه قلوب أهل العلم فـ: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، فالخشية العلم، والأمن من مكر الله، عز وجل، الذي يحمل صاحبه على التكذيب والاستهزاء، وهما متلازمان فالمكذب بالشيء مستخف به، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ)، فذلك الأمن هو عين الجهل الذي عوقبوا به، وأعظم من ذلك عقابهم بالختم على القلوب فلا تقبل آثار الوحي النافع، والختم على مدارك اليقين فلا يدركون النافع من الضار، فقد عدلوا عن النافع من العلم والإيمان إلى ضده من الجهل والكفران وهم يحسبون أنهم على شيء فـ: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)، فلسان حال الملاحدة ومن شايعهم من الزنادقة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير