تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعلمانيين على تفاوت بينهم في المروق من الديانة، فلكل نصيب من الفسق والخروج عن أحكام الديانة بقدر فساد علمه فرعا عن فساد نيته وسوء مقصده، فالأمر، كما تقدم مرارا، محل فاسد علم الرب، جل وعلا، وقدر فساده أزلا بمقتضى حكمته في التنويع في خلقه ليقع التفاوت بينها دليلا على قدرته وحكمته بوضع الشيء في محله الذي يلائمه فيضع الإيمان في قلوب تليق به فقد أعدت لقبول آثاره، ويضع الكفر في قلوب تلائمه، ففسادها يواطئ فساده، فكل ميسر لما خلق له، ليقع تأويل المقدور الكوني في عالم الشهادة: تدافعا بين القبيلين تظهر فيه آثار جمال وجلال الرب، جل وعلا، فالقبيلان من لدن آدم وإبليس إلى يوم الناس هذا في تدافع مستمر لا ينقضي حتى يرث الله، عز وجل، الأرض ومن عليها، فيظهر باستمرار هذه السنة: دوام اتصاف الرب، جل وعلا، بصفاته الفاعلة في كونه، فينصر فضلا ويخذل عدلا، ويهدي بصفات جماله، ويضل بصفات جلاله ..... إلخ، فهو المتصف بكل كمال مطلق: ذاتا وصفات من الأزل إلى الأبد، فلكل محل ما يلائمه، فمحل أولئك قد فسد، فانقطع إمداد الخير من المعلوم الرحماني الصحيح: هواتف ونوازع خير، واتصل إمداد الشر من المعلوم الشيطاني الفاسد: وسواس ونوازع شر، يلقيها الشيطان فتتلقفها النفس الأمارة، فالهاتف يواطئ النازع صحة أو فسادا، فلمة ملك تواطئ نفسا لوامة فيتولد من ذلك من آثار الصلاح ما يرضي الرب، جل وعلا، فيظهر بذلك آثار صفات جماله رحمة وعناية بالمؤمنين، ووسواس شيطان يواطئ نفسا أمارة فيتولد من ذلك من آثار الفساد ما يسخط الرب، جل وعلا، فيظهر بذلك آثار صفات جلاله غضبا وعقابا للكافرين، فيتولد لكل تصور علمي يناسب إمداده: صحة أو فسادا، فيتولد في قلب أولئك المستهزئين، وهو محل الشاهد، إرادات فاسدة يظهر أثرها لزوما على ألسنتهم وجوارحهم، فالمحال معطلة عن كل فضيلة والألسن ناطقة بكل نقيصة، وما تخفي صدورهم أكبر، فما ينطق به العلمانيون في زماننا ما هو إلا شعبة مما حوته صدورهم، ففيها من الفساد ما يجبنون عن إظهاره، إلا في أزمنة الضعف، كزماننا، فقد غلظت مقالاتهم فسادا، وبعضهم قد جاهر بالردة الصريحة، فظهر من مكنون صدره ما كان يخفيه في أزمنة سابقة، كان للديانة نوع حشمة عامة تكبح جماح ألسنتهم، فلما قلت الحشمة والهيبة في القلوب، تجرأ أولئك فخرجوا علينا من جحورهم، ليعيثوا في القلوب والعقول فسادا، في الصحف، وفي وسائل الإعلام المسموع والمرئي، ففتنتهم قد عمت وطمت، فما استهزاء المستهزئين في كل زمان إلا أثر لتلك المتوالية المطردة في قلوب المجرمين: فساد محال ففساد إمداد من مصدر تلق فاسد: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ)، و: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)، و: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ)، ففساد تصور علمي، ففساد إرادة باطنة، ففساد قول وعمل ظاهر.

فلو حمل الاستفهام في: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) على البدلية من: (لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ)، فذلك من بدل الاشتمال فيكون الاستفهام من الفاجر، فيكون التهكم فيه بخبر الوحي خالصا، ولو حمل على الاستئناف فيجوز أن يكون من كلام رب العالمين، فيفيد التعجيب من إنكارهم البعث، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من العجب الثابت لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، عز وجل، فليس من جنس تعجب المخلوقين، فتعجب المخلوقين صادر عن جهل سابق، بخلاف عجب الرب، جل وعلا، فإنه لخروج النظير عن حكم نظائره، مع علمه بحال كليهما من الأزل، فليس صادرا عن جهل سابق، لاتصافه، جل وعلا، بضده من وصف العلم المحيط، وإلى ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، في "جامع الرسائل" بقوله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير