تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما القراءة الثانية، بفتح الراء، فهي محمولة على الحقيقة عند كلا الفريقين، فذلك من الأعراض التي تلحق بالبصر، فتلمع العين حال الدهشة والذهول، وذلك مما يشهد لأصحاب القول الثاني بإجراء الكلام على الحقيقة على كلا الوجهين، فالمعنى قد تبادر إلى الذهن في كليهما ابتداء، فعلم المخاطب من أول الأمر مراد المتكلم: فسياق الأهوال تصحبه الدهشة بداهة، والعين أول ما يظهر عليه ذلك، بل كل الحركات الباطنة إنما يظهر أثرها ابتداء على العين، فهي، كما تقدم، الفاضحة لما يعتمل بالنفس.

وتنوع المعاني والأحكام بتنوع القراءات أمر يستحق التتبع في الكتاب العزيز فتغير الحركات تتولد معان جديدة، فالمبنى واحد، والشكل متعدد، وبكل إعراب تتنوع فيه الحركات يظهر معنى جديد للمخاطب، فمن ذلك، ما أثر عن أهل الفقه في تأويل قول الرب جل وعلا: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ).

فلو حمل على التخفيف لاحتمل وقوع الطهارة بانقطاع الدم ورؤية علامات الطهر من قصة بيضاء أو جفاف، ولو حمل على التشديد، فهو من التفعل، والتفعل مئنة من التكلف والمبالغة، كما قرر الصرفيون، ولا يكون ذلك إلا بمباشرة أسباب التطهر، بالاغتسال أو التيمم، فلا يكون قربان إلا بعد الاغتسال، فشأنه في ذلك شأن الصلاة، بخلاف الصوم والطلاق، فيصحان، ولو قبل الاغتسال، فإذا طهرت المرأة ليلا ثم أخرت الغسل حتى طلع الفجر فصيامها صحيح خلافا لبعض أهل العلم كعبد الملك بن حبيب من المالكية رحمهم الله، فاشترط الغسل استصحابا لحال الحيض، وهي حال تبطل الصيام بالإجماع، ويرد على ذلك ارتفاع الحكم بارتفاع الوصف بحصول النقاء من دم الحيض، وإن لم يقع الاغتسال، فليس حال من يجري دمها كحال من جف وارتفع، فيتبدل الحكم بتبدل الوصف، فهو دائر معه وجودا وعدما كما قرر ذلك أهل الأصول، وهو أمر قد شهدت بصحته العقول.

وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ: فتلك من جملة أهوال يوم القيامة، فإذا كان ذلك:

يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ: فالمضارعة مئنة من استحضار الصورة المستقبلة تنويها بشأنها أو هي على أصلها للاستقبال فلما يقل الإنسان ذلك بعد، وإظهار الإنسان في هذا السياق جار على ما اطرد من أول السورة من إرادة الكافر بعينه لقرينة التكذيب والاستهزاء، فضلا عن التوكيد بتكراره، فذلك أليق بتقرير المعنى، فيقول على جهة العجز: أين المفر؟! فجاء الجواب إمعانا في التيئيس: كَلَّا لَا وَزَرَ: فأفاد النفي العموم فلا ملجأ من الله، عز وجل، يومئذ، فالوزر هو المكان الذي يحتمى فيه من المكروه، فتفسيره بالجبل، كما نقل ذلك البغوي، رحمه الله، في تفسيره عن السدي، ذلك التفسير جار مجرى ما تقدم مرارا من بيان العام بذكر فرد من أفراده، فضلا عن ملاءمته لما عهد عند العرب من كون الجبل مأوى الهاربين المستجيرين، فذلك من بلاغة التنزيل بخطاب كل أمة بالمعهود عندها من الظواهر الكونية والأحوال الاجتماعية، فالمثال الذي يقرب المعنى لذهن المخاطب لا بد أن يكون مما يدركه بحسه الظاهر ليقع البيان به على أتم الوجوه، ولذلك خاطب الرب، جل وعلا، العرب بالمعهود المحسوس عندها في معرض تقرير الألوهية ببيان جملة من الآيات الكونية: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ).

ومن الوز اشتق اسم الوزير على أحد الأقوال في معناه، فالوزير ملجأ الملك عند حلول الكوارث، وهو كبش الفداء الذي تطعمه الجماهير الثائرة إذا وقعت أزمة، أو انكشف مستور!.

ثم جاء الكلام على حد الاستئناف:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير