تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 05 - 2010, 10:07 ص]ـ

ثم جاء الإضراب الانتقالي:

بل الإنسان: فذلك جار على ما اطرد من أول السورة من إرادة العهد بـ: "أل" في الإنسان، فهي ترجع على معهود بعينه هو الكافر، ويقال، أيضا، بأن العموم المعنوي يشمل كل البشر مؤمنهم وكافرهم فلكل على نفسه بصيرة.

وقد ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله أوجها لهذه الآية منها:

وجه يدل عليه ظاهر النظم، فالإنسان على نفسه بصير، فتكون زيادة التاء من باب المبالغة على وزان قولك: فلان علامة أو نسابة أو فهامة أو جماعة مئنة من سعة علمه فهو جامع لأصناف شتى من الفنون، وقدم الجار والمجرور عناية به، فهو المراد أصالة في معرض إقامة الحجة على الإنسان، فهو الذي يقيمها بنفسه على نفسه، فله من العلم بأحوالها وأهوائها ما ليس لغيره، فلا يعلم غيره منه إلا ما أظهر صدقا كان أو كذبا، ولذلك علقت الأحكام في دار الابتلاء على الظاهر، فلا يكلف الإنسان بالبحث والتنقير عن أحوال غيره، فذلك مئنة من الإفلاس، كما يقول بعض الفضلاء، فأولى له أن يشغل نفسه بالتفتيش في عيوبه ليصلحها، وأوجاعه ليعالجها، فيكون لنفسه طبيبا يداويها بدواء الوحي النافع، وما أكثر أوجاع النفوس في زماننا، فقد بلغت حدا يعسر معه حصر أنواعها، ولكل نفس منها جملة وافرة، فلو شغل كل مريض بمرضه ما التفت إلى غيره، فمرض نفسه، لو تدبر ونظر، أشد من مرض بدنه، وأدق مسلكا، فيعسر على كثير إدراكه حتى يفتك بالروح فيميت القلب وصاحبه لا يشعر فهو ميت في جملة الأحياء، فلا يكلف الإنسان بسبر أغوار غيره، وإنما يكفيه منه ما يظهره إلا إن دل دليل يقيني جازم على مخالفة الظاهر للباطن، كالزنديق الذي يستر الكفر ويظهر الإيمان تقية، فإذا ما ضعف سلطان الشرع الحاكم وكسر سيفه العادل، تجرأ فأظهر مكنون نفسه، فذلك لا يقبل منه ما أظهره من الإيمان إذ قد أظهر معه ما ينقضه من الكفران، فأتى بالدليل الناقل عن الأصل، فلم يكلف غيره مؤنة التفتيش في أحواله والحكم على ظاهره!، فيوكل أمر العقاب إلى من له ولاية عامة لئلا يقع التهارج فليس لكل أن يستوفي الحقوق العامة فذلك شأن ولي الأمر، إن كان للمؤمنين ولاية أمر جامعة!.

وعدي البصر بـ: "على"، والقياس تعديته بـ: "إلى"، لتضمينه معنى المراقبة ففيها قدر زائد على مجرد البصر، فالرقيب يدرك من أحوال من يراقبه ما لا يدركه المبصر الذي ينظر إلى الظاهر دون سبر للباطن، فخص كل إنسان بذلك السبر إذ لا سبيل لبشر عليه، فلا يعلم مكنون الصدر إلا الرب المحيط بعلمه، تبارك وتعالى، وصاحب الشأن الذي يعلم من حاله ما لا يعلمه غيره، فهو الرقيب على نفسه، فـ:

عليك منك إذا أخليت مرتقب ******* لم تأت في السر ما لم تأت إعلانا.

وفي الآية نيابة لصيغة: "فعيل" عن صيغة: "فاعل"، مئنة من المبالغة، فذلك جار مجرى مجاز التعلق الاشتقاقي، عند من يقول بالمجاز في الكتاب العزيز، و: "تبادل الصيغ" أو تناوبها في الدلالة على المعاني فذلك مما اطرد في لسان العرب، فاستعملته على وجه الحقيقة وإن خالف الدلالة المعجمية، فالدلالة الاستعمالية تصير ما كان على خلاف المعاني القياسية: حقيقة، فقد تهجر الحقيقة اللغوية فتصير مهملة لا يدركها إلا آحاد الناس ممن لهم دراية بلسان العرب، ويشتهر المجاز، فيقدم من هذا الوجه، بل يصير حقيقة عرفية كما اطرد من كلام الأصوليين والبلاغيين في مبحث الدلالات اللفظية.

ويحتمل أن يراد بالبصيرة: الحفظة التي تحصي أعمال الإنسان، فتكون زيادة التاء في بصيرة: مئنة من المبالغة، أيضا، بزيادة التاء، فللملك المحصي للأعمال من الاطلاع على حال من يحصي عمله ما ليس لغيره، فذلك مما هيأه الرب، جل وعلا، له، فأطلعه من العبد على ما لا يطلع عليه غيره من البشر ولو كان أخص خاصته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير