تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلم المرتجل، فلم يلحظ فيه معنى القرء أو الاقتران الذي اشتق منهما لفظا: "القرآن"، أو: "القران"، فإذا قرآناه: تلاوة بعد جمعه في صدرك، فيحصل البيان اللفظي بحفظ اللفظ وأدائه على الوجه الصحيح الذي تكلم به الرب العزيز فسمعه الروح الأمين فنزل به على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاتبع قرآنه: على جهة الإرشاد ولا يخلو من معنى العناية والامتنان، فاتبع ما امتن الله، عز وجل، عليك بتصحيح قراءته وجمع لفظه، وجاء الفعل مسندا إلى ضمير الفاعلين، مئنة من التعظيم في موضع يحسن فيه ذلك، فهو مقام عناية وامتنان، كما تقدم، وذلك مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، فقد يسر حفظه لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولمن جاء بعده من الحفظة، فذلك، كما تقدم، من الحفظ الذي اختص به، جل وعلا، آخر كتبه وأعظمها وأجمعها لعلوم النبوات، فضلا عن عظم المقروء، فهو، كما تقدم، أعظم الكتب المنزلة، فمبناه أفصح المباني ومعناه أبلغ المعاني، وقد جعل صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، الإسناد في هذا الفعل من قبيل المجاز العقلي، بإسناد الفعل إلى الرب، جل وعلا، مع أن المتكلم هو جبريل عليه السلام، وقد يقال بأنه لا وجه للمجاز في هذا الموضع من وجهين:

الأول: أن الله، عز وجل، قد تكلم بهذا الكتاب حقيقة لا مجازا، على وجه يليق بجلاله، فلا يعلم كنهه إلا هو، فتكلم بصوت وحرف يليق بجلاله، فكلامه بالكتاب العزيز ككلامه لموسى الكليم، عليه السلام، فقد ناداه، ولا يكون النداء إلا بصوت مسموع، وقال له: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، وتلك حروف مجموعة بعضها إلى بعض، فلم يخلق كلامه في غيره، كما يقول ضلال النصارى الذين قالوا بخلق الكلمة أو تجسدها في ناسوت المسيح عليه السلام، ولم يخلقه في شجرة، كما يقول المعتزلة، الذين ضلوا في هذه المسألة فأحدثوا مقالة خلق الكتاب العزيز، ولو صحت تلك المقالات الفاسدة، لنسب الوصف المخلوق إلى الرب الخالق، عز وجل، ولا ينفك المخلوق عن نقص، فهو من العدم آت وإلى الفناء ماض مع ما يعتريه بينهما من عوارض النقص الجبلية في كل المخلوقات الأرضية، حية كانت أو جامدة، فإذا صحت نسبة هذا النقص إلى الرب، جل وعلا، فأخبار النبوات التي نزهته عن كل نقص وأثبت له كل كمال: نصوص كاذبة، أو غامضة تفتقر إلى تأويلات أشبه ما تكون بالأساطير لتدل على ما يزعم أولئك أنه العقد الصحيح في الرب، جل وعلا، فلن يحصل خلاص ولن تكون نجاة إلا بنعت رب الأرض والسماء بالنقص الذي تنزه عنه بداهة، فذلك أمر قد أبان عنه الخبر الصحيح: خبر النبوات المتواتر، وأيده العقل الصريح، فلا يجد العاقل مشقة في تصور وتصديق أخبار الوحي، فلا تعارض بين النقل والعقل، كما قرر المحققون من أهل العلم.

والشاهد أنه لا تعارض بين تكلمه، عز وجل، بآي الكتاب العزيز، وتكلم الروح الأمين به، وتكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به، فنسبة القراءة إلى كلٍ مختلفة، فتكلم به الرب، جل وعلا، على جهة الوصف اللازم لذاته باعتبار نوعه، الحادث باعتبار آحاده، فنسبته إليه نسبة: صفة إلى موصوف، وتكلم به جبريل عليه السلام، فنسبته إليه: نسبة تبليغ من الرب العلي، جل وعلا، إلى الرسول البشري، وتكلم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنسبته إليه: نسبة تبليغ إلى عموم المكلفين، فبذلك يزول الإشكال في الجمع بين اختلاف نسبة الكتاب العزيز في مواضع من التنزيل من قبيل قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ)، فذلك هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)، فذلك هو الروح القدس عليه السلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير