تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثاني: أن نسبة الفعل إلى الرب، جل وعلا، في هذا الموضع من قبيل نسبة صفة القرب إليه، جل وعلا، في نحو قوله تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ)، فدلالة السياق تدل على قربه، جل وعلا، بجنده حال النزع الأخير، وليس ذلك من التأويل بشيء إذ قد دلت قرينة السياق على المعنى المراد، فكذلك الشأن في هذا الموضع فقراءته، عز وجل، له، ثابتة باعتبار اتصافه بالكلام ابتداء، وباعتبار تكلم رسوله: الروح الأمين، عليه السلام، به، فكلام الرسول كلام مرسله بداهة، وذلك مما اطرد في لسان العرب، فيقال: قال الملك كذا، ورسوله أو كتابه هو القائل، ويقال: أمر الملك بكذا والآمر رسوله، ويقال: بنى الملك كذا، والباني عماله.

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ: فذلك من تمام المنة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالمنة قد شملت: حفظه وقراءته وبيانه، كما أشار إلى ذلك ابن كثير، رحمه الله، فاستوعبت المنة: اللفظ حفظا وتلاوة، والمعنى: بيانا، و: "ثم": للترتيب والتراخي عند جمع من الأصوليين، وبه استدلوا على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، كما نقل ذلك صاحب "المذكرة" رحمه الله، عن صاحب "الروضة" رحمه الله، فيجوز تأخيره عن وقت الخطاب ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، فإذا قامت الحاجة إلى البيان: تعين، فلا يجوز تأخيره، وهذا أصل جليل في تمييز المشروع من المحدث الذي لا أصل له، فمن ادعى في الديانة: زيادة، ليس لها أصل في زمن الرسالة، فلسان حاله: كتمان بيان ما أحدثه حتى جاء هو بإظهاره!، وذلك طعن في مقام الرسالة، فقد بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما قد أمر بتبليغه من العلم والعمل فلم يترك خيرا إلا دل عنه، ولا شرا إلا حذر منه، فلم يدع لأمته حاجة إلى تقرير غيره، فالشريعة كاملة محكمة، فاللفظ محفوظ، والمعنى بين لا خفاء فيه، ولم يسلم بذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فجعل التراخي الذي دلت عليه: "ثم" في هذا الموضع: تراخ في الرتبة لا في الزمن، فمرتبة البيان دون مرتبة الإنزال، وإن كانت المنة بكليهما حاصلة، فالتنزيل: لفظ منزل، وبيان موضح، واستدل بعض أهل العلم بهذه الآية على حجية السنة: الوحي الثاني، فيكون البيان في هذه الآية مخصوصا ببيان السنة فلا يخلو على هذا التأويل من دلالة العهد، فهو بيان معهود، فعموم البيان المضاف إلى ضمير الكتاب العزيز قد خص على هذا التأويل ببيان السنة، فيكون ذلك جاريا مجرى العموم الذي أريد به الخصوص، وقد يقال بأن عموم البيان أليق بالمنة، فتخصيصها مما ينغصها، فيكون البيان عاما من كل وجه، بما في ذلك: وجه السنة الشارحة لما غمض من نص التنزيل، المكملة له بإنشاء أحكام لم ترد فيه، المؤكدة لما قد قرره التنزيل، المبينة لمجمله، المخصصة لعمومه، المقيدة لمطلقه .... إلخ من صور البيان.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 05 - 2010, 05:57 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ):

فذلك من الزجر الذي لم يرد إلا في القرآن المكي باستقراء من صنف في أصول التفسير وعلوم التنزيل، فلم تأت: "كلا" إلا في القرآن المكي في النصف الثاني من التنزيل، وتحديدا من سورة مريم في قوله تعالى: (كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا)، وفد فسر إجمال الزجر ببيان الإضراب التالي له: "بل"، فجاء الزجر قارعا للأسماع مهيجا للأذهان، ثم جاء بيانه تاليا له فكان أوقع في النفس، وجاء المضارع مئنة من التجدد والاستمرار، فهو وصف ثابت لازم لهم، فقد تمكن حب العاجلة من قلوبهم فليس الأمر: ميلا عارضا، بل قد صار خلقا راسخا يصعب التحول عنه، فالخاطرة إن لم تدفع تمكنت من النفس وصارت عزما، فانتقلت من منطقة الخواطر التي لا حساب عليها إلى منطقة الكسب، ولو قلبيا، فليس الكسب بالجوارح الظاهرة فقط، بل قد يكون بالقلب فيعقد المكلف العزم على فعل ما، فلا يصرفه عنه إلا عارض كوني، فيكون هو والفاعل سواء، سواء أكان الفعل خيرا أم شرا، كما في حديث أبي كبشة الأنماري، رضي الله عنه، مرفوعا: "مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير