تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَرْبَعَةِ نَفَرٍ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ فَيُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَا لِهَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِيهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ"، فالسيئة قد يعقد الإنسان العزم على ارتكابها فلا يصرفه إلا عجز فتكتب له سيئة، وقد يعقد العزم عليها ثم يصرف عنها، عناية من الرب، جل وعلا، به فلا تكتب له شيئا، وقد يعقد العزم عليها ثم يتركها تورعا فتكتب له حسنة، فضلا من الرب، جل وعلا، ونعمة، والشاهد أن حب الدنيا قد تمكن من قلوبهم فصحت مجيء المضارع من الفعل مئنة من رسوخ الملكة و: "العاجلة": علم منقول بالنظر إلى مدلوله، فـ: "أل": عهدية تشير إلى عاجلة معهودة هي الدنيا، فذلك وجه العلمية فيها، فهي دالة على مسمى بعينه هي دار الدنيا العاجلة، ومع كونه علما منقولا، إلا أنه ليس جامدا من كل وجه، كسائر الأعلام الجامدة التي تدل على مسماها دلالة محضة، بل دلالة المطابقة فيه كائنة، كسائر المشتقات الدالة على الموصوف بها، والصفة التي اشتقت منها معا، فذلك وجه المطابقة فيها، فدلالة العاجلة على الدنيا: دلالة تضمن، وكذلك دلالتها على وصف العجلة والتقدم، فهي السابقة، وقد انقضت، كما في قول علي رضي الله عنه: "ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ"، وقد علقه البخاري رحمه الله على جهة الجزم، ودلالتها على كليهما: دلالة مطابقة، فحصل من الوصف: تسمية من جهة العلمية، وبيان من جهة الوصفية، فالعاجلة هي دار الدنيا، والعجلة وصف الدنيا التي تطوى صفحاتها دون أن يشعر أهلها، فهم في غفلة يلعبون، فيشتغلون في شبيبتهم بـ: لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، فلعب، كما هي حال كثير من الشباب الذين أنفقوا الأيام والشهور والسنين في رياضة الأبدان، ولما تصح أرواحهم بعد، فهم في شغل بالطيني الفاني عن النوراني الباقي، ولهو بتتبع مظان الشهوات من صور تسكن بها النفوس الثائرة، فلا تزداد إلا ثورة، فإن النفس لا تسكن إلا بمعرفة خالقها، جل وعلا، على جهة الثناء بوصف الكمال، والتأله له على وجه الانقياد، فإن سكن ظاهرها بصورة فانية، فإن باطنها لما يزل ثائرا، فهو كالظاهر يطلب حظه من الاغتذاء، فلا يشبعه غذاء فاسد محرم، وإن حصل له الامتلاء، فهو امتلاء بمادة ضارة لا تزيده إلا ألما ومرضا، وإن أحس بلذة شبع طارئة، كحال من يطعم طعاما خبيثا فيحصل له الشبع، فيعرض عن الطيب لامتلاء جوفه بالخبيث، فإن تناوله فعلى سبيل التجشم، فإن امتلأت الأجواف: شعرا، وإن كان مباحا، لم تقو على تناول آي الكتاب العزيز، فالمحل الواحد لا يتسع لاثنين، وإن امتلأت شبهات علمية، لم تقول على تناول أخبار النبوات الصحيحة الصريحة، فلا تجتمع محكمات النبوات مع متشابهات أهل الزيغ والضلال، ولذلك كان الإعراض عن الشبهات وعدم التصدر لجمعها، ولو إرادة دحضها، هو الأصل، فإن اضطر أهل الإسلام والسنة إلى ذلك، فذلك خلاف الأصل فلا يتصدر له إلا أهل التحقيق ممن رسخت أقدامهم في العلم، فلا يأمن الناظر فيها، لا سيما إن وكل إلى نفسه، فلم يسأل الرب، جل وعلا، ثبات القلب وتصريفه على الإيمان، فاغتر بملكاته النفسانية والعقلية، لا يأمن من هذا حاله أن تعلق شبهة بقلبه تفسد عليه دينه ودنياه، فلا يحسن بالعاقل أن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير