تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يجعل قلبه كالإسفنج يتشرب أي مقالة ينظر فيها، بل إن نظر، فليمتلئ ابتداء بغذاء الوحي النافع، ثم لينظر نظر الناقد المستبصر، فقلبه كالزجاج الصافي تعرض عليه الشبهات ولا تنفذ منه فلا يزداد بمطالعتها وبيان أوجه فسادها إلا يقينا ورسوخا في الديانة، فقبل النظر في المتشابهات لا بد من إحكام المحكمات فهي بمنزلة اللقاح الواقي، الذي يقي صاحبه، بإذن ربه، جل وعلا، شر آفات القلوب القاتلة.

وإن امتلأت بالشهوات من صور محرمة، لم يتسع المحل لعمل صالح نافع، فالمحل، كما تقدم، لا يتسع للشيء وضده في نفس الوقت من نفس الوجه، بل إما خير ينفع، وإما شر يضر، فإما إرادات صالحة يحملها رحم القلب الحساس المتحرك فتلد في الجوارح أعمالا نافعة، وإما إرادة سوء لا تلد إلا مسخا من سيئ القول والعمل.

وزينة: كسائر صور الزينة الظاهرة والباطنة، زورا، فمن الناس من يزين ظاهره ليستر قبح باطنه، ومن الناس من يتشبع بما لم يعطه من الأقوال أو الأعمال أو الأحوال ليسد فاقة نفسه العاطلة من كل فضيلة، والقبيح هو الذي يفتقر دوما إلى ما يجمله، فبزخرف القول تجمل المقالات الحادثة، وبزخرف الزينة الظاهرة تستر عورات النفوس الباطنة، فتجد الصورة جميلة ناصعة والباطن قبيحا قاتما.

وتفاخر: فذلك من جملة الشهوات النفسية التي تغتذي عليها النفوس المفلسة، فـ:

إذا افتخرت بآباء لهم شرف ******* قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا.

والتفاعل مئنة من المفاعلة، كما قرر الصرفيون، وليس ذلك من التنافس المحمود، فالتنافس على تحصيل عرض الدنيا على جهة التفاخر من جنس تنافس الكلاب على الجيف:

وما هِيَ إلاَّ جِيفةٌ مستحيلة ******* عليها كلابٌ هَمُّهُنَّ اجتذابُها

فإنْ تَجْتَنبها كنتَ سِلْماً لأهلها ******* وإنْ تجتذبها نازعتك كِلابُها.

وتكاثر: فالولد شهوة، وهو عند التدبر والنظر، من جنس التفاخر بالنعم الكونية، فلا يحتسب من ذلك حاله في قضاء وطره، أو استيلاد زوجه، أو تنشئة ولده، فلا هم له إلا تحصيل مراده وحظه من لذة جسدية بقضاء الوطر، ولذة نفسانية بالتكاثر الجاري مجرى التفاعل، فهو، أيضا، مئنة من التنافس على عرض العاجلة الفاني، فالولد مآله إلى فراق، فلن تكتمل اللذة به فهي منغصة على صاحبها بما يعتريها من وجوه النقص والفساد المتكاثرة، فالولد قد يمرض بدنه فتكون آلامه عذابا لوالديه كما هي حال كثير من الآباء في زماننا فقد كثرت الأدواء المعضلة التي تفتك، بقدر الرب جل وعلا، بأجساد الناشئة الغضة، فذلك من العقاب الكوني العاجل على التفريط في الأمر الشرعي الحاكم، فقد عطل أهل الإسلام الدين في أفرادهم وجماعاتهم فضرب عليهم العذاب النفساني بتسليط الذل، والعذاب الجسدي بتسليط الأدواء والأوجاع التي لم تكن في أسلافنا، وقد يفسد خلقه فيكون وبالا على أبويه، بل قد يكون سببا في هلاكهما، ولذلك قتل الخضر الغلام، فقتله من باب دفع الصائل على الأديان، فلو عاش لأرهق أبويه كفرا، فدفعه أولى من دفع الصائل على الأبدان، فغاية الثاني إتلاف البدن، وهو إلى التلف صائر: به أو بغيره، بخلاف الأول فإن في عدوانه إفسادا للأديان: مناط النجاة في الدار الآجلة الباقية، فدفع الخضر عليه السلام المفسدة العظمى بالمفسدة الصغرى، وكثير من الأزواج والأولاد قد صالوا على الأديان فاستحقوا القتل لولا ما سبق في علم الرب، جل وعلا، من إطلاع الخضر عليه السلام على مآل ذلك الغلام، وحجب غيره، فقد قتل بوحي، وليس ذلك لكل أب، وإلا وقعت مقتلة عظيمة فـ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فقدم متعلق الخبر شحذا للأذهان وتشويقا لمعرفة وصف أولئك المذكورين، والعدو مظنة المدافعة فيدافع بالقلب، كما هي الحال زمن الضعف والانحسار، ويدافع باللسان، وكثير من الآباء عن ذلك عاجز فقوامته قد انتقصت بل استلبت فهو العبد في صورة السيد!، ويدافع باليد، فـ: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير