تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عدل عنه إلى الخطاب إمعانا في الزجر، ومن حمل الخطاب في هذا السياق على مخاطب بعينه هو أبو جهل، كما ورد في سبب نزول الآية، فإنه لا يمنع توجهه إلى غيره لقرينة عموم الزجر، فالأصل في نصوص الوعد والوعيد: العموم المعنوي وإن اختص اللفظ من جهة وروده بمخاطب بعينه، فذلك جار مجرى تفسير العام بذكر بعض أفراده فلا يخصصه، كما تقدم مرارا، من كلام أهل الأصول، ثم أعيد الوعيد بلفظه توكيدا يناسبه مقام الزجر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 06 - 2010, 05:59 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى):

فذلك من الاستفهام الإنكاري الإبطالي لما بعده، فلا يخلو من إنكار على من هذه حاله، فمقالته: مقالة الدهريين الأوائل ومن سار على طريقتهم من الشيوعيين المعاصرين، ولم يسلم من ذلك كل من جوز لنفسه الخروج عن شرائع النبوات، شرائع: الوحي، فإنه يريد حرية بمعنى الانحلال والتفلت من كل شريعة، وتلك عين العبودية للهوى، فلم يستفد صاحبها إلا أن خرج من عبودية الرب، جل وعلا، المعبود بحق لكمال ربوبيته إلى عبودية هوى مضطرب، يخضع لشهوات ونزوات صاحبه: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، فكل من تكبر عن عبودية الرب، جل وعلا، أذله، بمقتضى السنة الكونية المطردة فعبد غيره إما بالفعل وإما بالقوة، كما هي حال المجتمعات الإنسانية القديمة كالمجتمع الروماني الوثني، فقد كان مفهوم الآلهة عنده وجدانيا لا تأثير له في الحياة العامة بتحليل أو تحريم، وإنما محض تصورات علمية ومدارس أرضية كالأبيقورية والرواقية.

يقول صاحب رسالة "العلمانية" حفظه الله وسدده وأتم شفاءه:

"وخلاصة القول أن الروم لم يعتنقوا دينا اعتناقاً جدياً يجعلهم يستمدون تصوراتهم وعقائدهم ونظام حياتهم منه وحده نعم كان لهم آلهة ولم تكن آلهة تقليدية، " لم تكن سوى محاكاة شاحبة للخرافات الوثنية اليونانية لقد كانت أشباحاً سكت عن وجودها حفظاً للعرف الاجتماعي ولم يكن يسمح لها قط بالتدخل في أمور الحياة الحقيقية(وتلك هي العلمانية الصريحة: آلهة أشبه ما تكون بالديكور تلبية لداعي الفطرة إلى اتخاذ معبود تسكن النفس، ولو ظاهرا، بالتأله له، وإذا لم يتحر المغتذي، فإنه جوفه يمتلئ بأي غذاء، ولو خبيثا، وهو ما يحصل لكل مبتغ للنجاة في غير منهاج النبوات).

وعليه نستطيع أن نجزم بأن المجتمع الروماني كان مجتمعاً مادياً لا دينياً يعانى عزلة حادة عن معتقداته – أيا كانت – وبين واقع حياته العملى.

وقد عبر "سيسرو" عن الانفصال العميق بين الدين ونظام الحياة عند الرومان بقوله: "لما كان الممثلون ينشدون في دور التمثيل أبياتا معناها أن الآلهة لا دخل لهم في أمور الدنيا يصغي إليها الناس ويسمعونها بكل رغبة"

ويقول الراهب "أوغسطين": "إن الروم الوثنيين كان يعبدون آلهتهم في المعابد ويهزأون بهم في دور التمثيل(وهذه حال العلمانيين المعاصرين مع أنهم قد لا يؤدون حتى الشعائر في أحايين كثيرة!).

ليس هذا فحسب، بل إن أبيقور، (ق4)، قبل الميلاد – ليعلن على الملأ دعوة علمانية صريحة، فهو يقول:

إن الآلهة لا يشغلون أنفسهم بأمور بني البشر، إنهم موجودون لأنهم يظهرون من آن لأخر للأشخاص (!) بيد أن مسائل العالم الأرضي لا تعنيهم، وما من علامة تدل على أنهم يعنون بعقاب الآثم وإثابة الصالح، أيمكن اعتقاد تدخلهم هذا ما نراه في هذا العالم؟.

(إن جوبيتير يرسل الآن بالصواعق على معبده، فهل سحق أبيقور الذي يجدف به)؟

(إن الآلهة يعيشون بعيداً عن العوالم ولا يهتمون إلا بشئونهم فلا تعنيهم أمورنا. إنهم يعيشون حكماء سعداء ويعظوننا بهذا المثال الذي يجب أن نسير على منواله فلنعظهم كمثل عليا يقتدى بها، غير أنه لا يجب علينا ان نشغل أنفسنا بما يريدونه منا، فإنهم لا يريدون منا شيئاً، هم لا يعيروننا بألا فلنفعل نحوهم كما يفعلون نحونا) ". اهـ

بتصرف من: "العلمانية"، ص54، 55.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير