تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الصليبية الأولى إلى يوم الناس هذا، فالإنسانية والمحبة للآخر، ولو كافرا زنديقا، واستيعاب الثقافات المشوهة وتقبل حامليها من المصابين بفيروسات فكرية قاتلة أثرها على الأديان أعظم من أثر فيروسات الأمراض الفتاكة على الأبدان، كل ذلك لا يروج له فقط إلا في الشرق المسلم، فهو الوحيد المأمور دوليا بتقبل الآخر!، والاندماج في حضارته ولو خالفت الوحي المنزل، وإدماج مقرراته في مقررات الإسلام، بتقريبها إلى الديانة تحت أسماء خداعة من قبيل: التسامح والبر بالمخالف .... إلخ، والبر بالمخالف أمر قد قرره الوحي بقيد: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ [/ COLOR] أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وذلك قيد لا وجود له في الصراع المحتدم الآن بين الحضارة الإسلامية، والحضارة الغربية العلمانية فكرا، النصرانية ديانة، في مزيج عجيب يدل على مدى الاضطراب الفكري الذي يعاني منه العقل الأوروبي، [ COLOR="Blue"] فالجمع بين العلمانية في السلوك الفردي والنصرانية في السلوك الجماعي لا سيما في الصراع مع الشرق المسلم الذي لا يجد الغرب لواء غيره ليجمع أفراده تحته في حربه التاريخية الضروس مع الإسلام، ذلك الجمع بين هذين المتناقضين يصيب العقل الأوروبي بالحيرة، فهو مادي ملحد في باب، مؤمن بل متعصب في آخر!، والصراع لم يتوقف من لدن بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يوم الناس هذا، ولن يتوقف بمقتضى سنة التدافع الكونية، فغايته أن تهدأ حدته حينا بهدنة مؤقتة في جبهة فكرية أو عسكرية دون أخرى، فالغارة مستمرة، بل قد زادت حدتها بسقوط الخلافة العثمانية وزوال المنصب الروحي الجامع لشتات القلوب، وليس من العدل رد الظلم بالظلم، بل العدل مراد الشارع، عز وجل، فهو واجب على كل أحد لكل أحد، ولكن العدل لا يصير عدلا إن خرج عن حده الجامع المانع فصار مرادفا للميوعة والجهل برسم الحلم في غير موضعه فـ:

وضع الندى في موضع السيف بالعلي ******* مضر كوضع السيف في موضع الندى.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 06 - 2010, 05:58 ص]ـ

ومن قوله تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى:

فتسلط الاستفهام على النفي ينزل منزلة الإثبات، فنفي النفي إثبات، فذلك، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، آكد في تقرير المعنى فكأن المتكلم ينكر في معرض الاستفهام توسعة على المنكر إن أراد الإنكار، ومع ذلك يقر المنكر لقوة الدليل ووضوح وجه الاستدلال، فلا يملك إلا توكيد ما وسع له فيه المتكلم لينكره، فإنكاره ينقض أي قياس صريح، فيرد عطية المتكلم بنفسه، حفظا لماء وجهه، لئلا يوصم بفساد القياس واضطراب العقل بإنكار معلوم ضروري، لا ينكره إلا جاهل أو مسفسط.

فذلك نوع من استدراج المخاطب ثقة في عدم قدرته على الإنكار، فيظهر المتكلم نوعا من الإنصاف ليحمل المخاطب على الإقرار بنفسه، فذلك آكد في إقامة الحجة الدامغة على الخصم ودحض كل شبهاته الواهية، فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، والمهتدي والضال قد عرف ابتداء، بالدلائل النقلية والعقلية، وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"فلما ذكر ما دل على وجوب توحيده وبيان أن أهل التوحيد هم على الهدى وأن أهل الشرك على الضلال قال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.

يقول إن أحد الفريقين أهل التوحيد الذين لا يعبدون إلا الله وأهل الشرك لعلى هدى أو في ضلال مبين.

وهذا من الإنصاف في الخطاب الذي كل من سمعه من ولي وعدو قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك كما يقول العادل الذي ظهر عدله للظالم الذي ظهر ظلمه: الظالم أما أنا وإما أنت لا للشك في الأمر الظاهر ولكن لبيان أن أحدنا ظالم ظاهر الظلم وهو أنت لا أنا". اهـ

"الجواب الصحيح"، (2/ 91، 92).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير