تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونكرت النطفة تحقيرا، فضلا عن دلالتها المعجمية فالنطفة مئنة من القطر، والقطر غالبا ما يكون حقير الجرم، فذلك آكد في بيان الحجة في معرض قياس الأولى في إثبات النشأة الآخرة، فثبوتها آكد من باب أولى قياسا على النشأة الأولى، فمن خلق من نطفة مذرة يستقذر الإنسان علوقها بثيابه، قادر على الإعادة من باب أولى، فذلك جار على ما تقدم مرارا من تقرير الربوبية في معرض إقامة الحجة على الكافر المنكر للألوهية، فالسياق، كما تقدم، قد اطرد في بيان إقامة الحجة على الكافر على ما تقدم من دلالة: "أل" العهدية في الإنسان.

و: "من": جنسية بيانية فجنس النطفة من المني الذي يراق، وعليه خرج بعض أهل العلم تسمية: "منى" بهذا الاسم، فالدماء فيها تراق، فيكون علما منقولا، واعترض صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، على ذلك فجعل تسمية منى من باب العلم المرتجل كسعاد وأدد، كما نص على ذلك صاحب "الألفية" رحمه الله، والتذييل بالحال على جهة المضارعة آكد في تقرير المعنى، ثم جاء العطف على جهة التراخي، مئنة من الترقي في الرتبة، فكان علقة من دم جامد يعلق بجدار الرحم، فخلقه الرب، جل وعلا، وسواه، فذلك، أيضا، جار مجرى رد العجز على الصدر فالتسوية في آخر السورة مطلقة، وفي أولها مقيدة بـ: "البنان"، فيكون ذلك جار مجرى العموم بعد الخصوص، فهو آكد في تقرير المعنى الذي تظهر به آثار قدرة الرب، جل وعلا، على الخلق تقديرا والتسوية إبداعا وتصويرا، ويقال من جهة الأخرى بأن التسوية المطلقة مجملة المعنى، فجاء بيان طرف منها بالتذييل بقوله تعالى: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)، فجعل من المني أو من جنس الإنسان الذي تكرر ذكره في السورة في معرض التوبيخ لإنكاره البعث والقيامة، جعل منه الذكر والأنثى فبلقائهما يحفظ النوع الإنساني بما يتولد منه من أجنة في أرحام الإناث.

فأطنب في بيان أطوار الخلق من النطفة إلى العلقة إلى الخلق في الأرحام وتسوية الهيئات إلى التنويع في الأجناس إلى ذكور وإناث، فذلك، جار على ما تقدم، من قياس الأولى، فمن هذا وصفه يقال في حقه: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى)، فذلك جار مجرى ما تقدم من استنطاق الخصم بالحجة، بعد إقامة الأدلة النقلية الصحيحة والبراهين العقلية السالمة من المعارضة، فإن من بدأ الخلق على هذا النحو المحكم، فقدر في الأزل، وأنشأ من العدم، وسوى الخلق فقومه، قادر، من باب أولى على إحياء الموتى، وقد جعل صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، ذلك من باب التذييل بالعموم فـ: "الموتى" جمع محلى بـ: "أل" الجنسية الاستغراقية، وذلك من صيغ العموم في لسان العرب، كما قرر ذلك الأصوليون، بخلاف "أل" العهدية في "الإنسان" فهي مئنة من خصوص نوع بعينه هو الكافر ذكرا كان أو أنثى، على ما اطرد في خطاب الشارع، عز وجل، من عموم التكليف لكلا الجنسين إلا ما ورد الدليل على اختصاصه بجنس بعينه، فيكون ذكر العموم في: "الموتى" بعد الخصوص في "الإنسان" من باب التذييل بالعموم بعد الخصوص إمعانا في تقرير المعنى، فالبعث عام في كل حي، مؤمنا كان أو كافرا، وإنما اختص الكافر بالجدال لإنكاره، بخلاف المقر، فثبوت البعث في حقه قد تقرر من باب أولى.

وقد ورد الدعاء بعد هذه الآية بـ: "سبحانك فبلى"، ونص الحنابلة، رحمهم الله، على سنية ذلك في الفرض والنفل معا، فالأصل التساوي بينهما إلا ما ورد الدليل بالتفريق فيه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[الياسين]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 06:06 م]ـ

وتعدي الفعل بـ: "إلى" رافع لاحتمال الرؤية العقلية

وماذا تقولون في قوله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الغاشية17 هل (إلى) هنا رفعت احتمال الرؤية العقلية؟!

وماذا تقولون في قول شاعرالنبي حسان بن ثابت:

وجوه يوم بدر ناظرات إلى الرحمن يأتي بالخلاص وفي رواية بالفلاح

ولكم بالغ الشكر والتقدير

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 06:38 ص]ـ

جزاك الله خيرا أيها الكريم على التنبيه، ولك بالغ الشكر والتقدير.

ذكر صاحب اللسان ما ملخصه أن التعدي بـ: "إلى" يحتمل أيضا، الرؤية العقلية، وإن كان المتبادر إلى الذهن منه الرؤية البصرية، فيكون ظاهرا راجحا في رؤية البصر فلا زال احتمال النظر العقلي قائما، فإذا أضيف إلى الاحتمال الراجح قرائن من قبيل تعليق النظر بالوجه، فآلة البصر المحسوس وهي العين فيه، وما ينفي احتمالا من قبيل حمل النظر على الانتظار لأنه لا يتعدى بـ: "إلى" أو "في" فضلا عما في الانتظار من تنغيص لا يناسب دار النعيم الخالص، وما تواتر من نصوص مثبتة للرؤية على وجه غير محتمل كحديث: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، إذا أضيف كل ذلك إلى الاحتمال الراجح وهو رؤية البصر فإنه يرفع الاحتمال المقابل، فيصير لفظ النظر هنا نصا جازما في رؤية البصر.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير