وذلك باطل بداهة، بل، كما تقدم، لكلٍ وصفه الذي يلائم ذاته، فليس وصف الخالق، عز وجل، الكامل كوصف المخلوق، والسياق أصل في معرفة المراد من اللفظ في السياق الذي يرد فيه بعينه، كما في هذه الآية، فإن السياق لما كان سياق وعيد ناسب ذلك حمل النظر المنفي على نظر العطف والرحمة والرعاية، فنفي تلك المعاني من لوازم الوعيد، ولذلك نظائر في التنزيل يكون السياق فيها هو الفيصل في تعيين المعنى دون أن يكون في ذلك تأويل، ودون أن يلزم من ذلك نفي أصل الصفة، كما في قوله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، فالسياق سياق امتنان على الكليم عليه السلام، فناسب ذلك حمل العين هنا على عين الرعاية بدليل ما تقدمها: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)، دون أن يلزم منه نفي صفة العين بل تثبت هي الأخرى لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، فيكون تفسيرها هنا بلازم من لوازمها وهو الرعاية لقرينة السياق، كما تقدم، ويثبت أصل الصفة بجمع أدلة الباب من الكتاب والسنة والتي دلت على إثبات الصفة لله، عز وجل، على جهة الحقيقة، فينتهي الإشكال بحمل المتشابه على المحكم والنظر في الأدلة مجتمعة.
ومن مأثور كلام السلف، وإن كان سنده ضعيفا، ولكنه يفيد في هذا السياق، قول الحسن رحمه الله:
لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا.
فأي حرمان _ أجارني الله وإياك وكل المسلمين منه _ أعظم من الحرمان من رؤية الرب، جل وعلا، فهي من أعظم الدوافع لعمل الطاعات رجاء بلوغ تلك النعمة العظيمة. ولو لم يرد النص على ذلك لألح العقل في طلبه، وإن كان هذا الباب خبريا محضا لا دور للعقل فيه إلا التسليم بما يأتي به النقل الصحيح، ولكن العقل بالفعل لا يمنع بل يستحسن أن يثيب الرب، جل وعلا، من آمن بالغيب الذي لم يره بأن يراه، فذلك الجزاء الملائم له، فإذا احترز في ذلك من تشبيه الرب، جل وعلا، بخلقه، أو توهم إحاطة المخلوق به ..... إلخ من المعاني الباطلة، فضلا عن ورود النص بذلك، وهو عمدة هذا الباب كما تقدم، فما المانع من إثبات الرؤية فهي لا تتعارض مع المعنى العلمي الذي يثبته من أولها بالعلم، بل هي، كما تقدم، علم وزيادة، يرتقي صاحبها من درجة العلم بالله على جهة الغيب في هذه الدار، فيكون جزاء ذلك: العلم به برؤيته على جهة الشهادة في دار النعيم، إن من يثبت الرؤية على جهة الحقيقة، يزداد رسوخا في باب العلم بالله الذي هو محل اتفاق بين كل المسلمين، فعلمه بالله، عز وجل، يزداد في الدار الآخرة بحصول الرؤية الحقيقية فضلا عن أنه يملك حافزا لا يملكه غيره، ولذلك استعمله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحض على صلاة الفجر وصلاة العصر.
وإثبات الرؤية، عند التدبر والنظر، إثبات لكمال الرب، جل وعلا، لأن من يُرى أكمل ممن لا يرى، فمن يرى له أوصاف، ومن لا يرى هو أشبه بالعدم الذي لا وصف له، فيكون قريبا من الوجود المطلق الذي أثبته الفلاسفة في هذا الباب، وهو عين العدم لو تدبر الناظر فيه فليس له أي وصف يخرجه من حيز التصور العقلي إلى حيز الحقيقة!.
وطالما التزم الإنسان: الإثبات بلا تمثيل والتنزيه بلا تعطيل فهو في أمان في هذا الباب الجليل.
وعذرا على الخروج عن موضوع النقاش فليس هذا من أهداف المنتدى الرئيسة ولكنها مدارسة قد تفيد إن شاء الله.
وجزاك الله خيرا، مرة أخرى، على ملاحظاتك.
ـ[الياسين]ــــــــ[04 - 07 - 2010, 06:53 م]ـ
إليكم هذه المدارسة المفيدة
ـ[الياسين]ــــــــ[04 - 07 - 2010, 06:55 م]ـ
من العجيب أن تقوِّلوا الآية ما لم تقله، هل قالوا إنا لمدركون بالأبصار أم قالوا إنا لمدركون فحسب، وهل خشي أتباع موسى عليه السلام إلا أن يلحقهم فرعون فيحيطوا بهم فيصبحوا تحت عذابه، فقال لهم نبي الله الواثق بربه: كلا، كلا إنهم لن يلحقوا بنا فيقبضوا علينا كما تظنون، بل الله سيهدينا إلى مخرج و فرج من فرعون وقومه .. فكيف تقولون بأن نفي الإدراك في هذه الآية هو شبيه بنفي الإدراك في هذه الآية؟!
¥