تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أُنزل إِلينا مَلَك؟ قال اللَّه تعالى ولو أَنزَلْنا مَلَكاً فرأَوْه يعني المَلَك رجُلاً لكان يَلْحَقهم فيه من اللَّبْس مثل ما لحق ضَعَفَتَهُم منه". اهـ

فلا حاجة إلى تكلف المجاز في لفظ قد عرفت دلالته ابتداء إذ تبادر إلى الذهن منه معنى صحيح على جهة الحقيقة.

يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير: إطناب في بيان تلك الفتنة، بذكر أوصافها على جهة المقابلة بين: "يربو فيها الصغير و: "ويهرم فيها الكبير" فذلك مئنة من عمومها لكل الأعيان فلا يسلم منها كبير ولا صغير.

وتتخذ سنة: مئنة من التكلف إذ الاتخاذ من الافتعال كالاكتساب الذي يتكلف فيه المكتسب ما لا يتكلفه الكاسب، وفي التنزيل: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)، فالكسب مئنة من التلقائية فالحسنة توافق الفطرة فلا تجد النفس تكلفا في عملها، والاكتساب مئنة من التكلف فالسيئة تخالف الفطرة فتجد تكلفا وعدم ارتياح في عملها إلا إن فسدت فصارت تلتذ بها فذلك من العقوبة المعجلة بموت القلب.

فإن غيرت يوما قيل: هذا منكر: فقد عمت الأزمان كما عمت الأعيان، فصار التعرض لها بالإنكار هو عين المنكر وإنما يكون ذلك في أزمان دروس العلم وانقطاعه بقبض العلماء كما في حديث عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، مرفوعا: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".

ذاك إذا قلت أمناؤكم: فيوسد الأمر لغير أهله.

وكثرت أمراؤكم: مع اتصافهم بعدم الأمانة، والطباق بين القلة والكثرة إيجابا فضلا عن ورود الأمراء في مقابل الأمناء مئنة من فشو الخيانة في الأمراء حتى صاروا في حد مقابل لحد الأمناء، فصارت القسمة: أمناء وأمراء، بعد أن كانت: أمناء وخونة!.

وقل فقهاؤكم، وكثر قراؤكم: على وزان ما تقدم من الطباق والمقابلة، فقد صار الغالب على القراء بعد زمن قراء الصحابة، رضي الله عنهم، صار الغالب عليهم: الجهل والغلو في الدين، ولنا في الخوارج عبرة، فقد جمعوا بين الاجتهاد في القراءة والغلو في العبادة في مقابل قلة الفقه، بل عدمه، فلم يعرف منهم راسخ في العلم أو حتى طالب له، فالغالب عليهم: التنطع في العمل بلا علم، على وزان طريقة الضالين من أمة النصارى الذين غلوا في العمل وجفوا في العلم، فعبدوا الله، عز وجل، بالبدع والمحدثات، وتعصبوا لباطلهم كأي جاهل بعلوم النبوات فليس عندهم منها إلا أثر دارس، فوقعت العداوة بينهم، مصداق قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).

وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة: وذلك من عطف المسبَب على سببه، إذ قد فسدت الإرادات بإرادة الدنيا بعمل الآخرة، والطباق بينهما يزيد الجناية تصورا في الذهن فيستبشعها كل من له حظ من دين، إذ التمس الأدنى بالأعلى، فجعل الوسيلة غاية، والغاية وسيلة، وذلك من فساد التصور بمكان فرعا عن فساد النية والإرادة. وتلك طريقة المغضوب عليهم من أمة يهود الذين علموا الحق فكتموه مع قيام الحاجة إلى بيانه ليشتروا به ثمنا قليلا من جاه أو رياسة زائلة، مصداق قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، فاستوفت مقالة ابن مسعود، رضي الله عنه، طرق الأمم المتقدمة إذ دخل عليهم الفساد في العلم كحال النصارى، أو العمل كاليهود، وإنما تقع النجاة: بعلم النبوات النافع، وما يتفرع عنها من أعمال صالحة، وفي التنزيل: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، فالعمل الصالح فرع عن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير