تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا". وأبطال الأمس خونة اليوم، وتأمل حال الثورات المسلحة التي تقدم أبطالها إلى مقاصل الاستئصال وتعلقهم على أعواد المشانق، باسم التصحيح، فيتم التخلص من القيادات تباعا، ليضمن صناع الانقلاب تمام السيطرة على مقاليد الأمور، ولو ظهر إلى السطح أبطال اصطنعتهم الأيدي الخفية ليقوموا بأداء ما وكل إليهم من مهام، وثورة أتاتورك التي زال بها رسم الخلافة برسم البطولة الزائفة بنصر عسكري محدود متفق عليه كان ثمنه إزالة السلطان الجامع للمسلمين في حركة من أشد حركات العلمانية تطرفا، تلك الثورة خير شاهد على تلك السنة السيئة التي سارت عليها الانقلابات المتتالية في العالم الإسلامي كانقلاب يوليو 52 في مصر، وصناعة الشعارات والبطولات الوهمية فن تجيده أمة يهود: الأمة الغضبية التي أحسنت استغلال كلمات من قبيل: الحرية والإخاء والمساواة لهدم الأديان والأخلاق، وقدمت الكنيسة عدوها الديني اللدود، والإقطاع عدوها الدنيوي اللدود إلى المقصلة، وسيرت الغوغاء وفق ما أراد الله، عز وجل، وقوعه بمشيئته الكونية النافذة، فحلت عرى أديانهم وأخلاقهم وأطبقت على مصادر أقواتهم، فانتقلوا معها من سخرة الإقطاع الزراعي في ضياع الباباوات والنبلاء إلى سخرة الإقطاع الرأسمالي في مصانع أرباب رؤوس الأموال من بارونات عصر النهضة الجدد، فيهود عند التحقيق قد سبقوا الانقلابات والثورات المعاصرة، فهم الرواد في ذلك، فقد أحسنوا استغلال أولى ثورات أوروبا: الثورة الفرنسية المشئومة التي صيرت للعلمانية دولة لأول مرة في التاريخ الحديث.

قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ أَنَا قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوك: وهي كلمة تقال في معرض المدح، فيها من التعظيم كبير قدر، إذ نسبة الشيء إلى معظم مئنة من عظمه، فكيف بنسبته إلى الله، عز وجل، العظيم الذي استجمع أوصاف العظمة الذاتية والوصفية والفعلية؟!. وما ذلك إلا لكون حذيفة، رضي الله عنه، خبير الفتن، إذ كان دائم السؤال عنها، فوعى من خبرها ما لم يعه غيره، فهو القائل عن نفسه: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي".

قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا:

تشبيه مرسل مجمل حذف وجه الشبه فيه، إذ الحال: "عودا عودا": مؤولة بمشتق يكشف وصف المشبه به الذي علق عليه التشبيه، فهي مؤولة بـ: التتابع بلا فاصل، فكذلك الفتن تعرض على القلوب متتابعة بلا فاصل زمني، فمن حين اليقظة إلى المنام يتعرض المكلف إلى صنوف من الفتن شتى فمنها:

الخاص في نفسه: من سعة في الرزق امتحانا، أو ضيق فيه ابتلاء، أو سوء خلق زوج أو ولد، أو شبهة علمية تعرض لقلبه في زمن الشبهات الخاطفة، أو شهوة تعرض لجوارحه في زمن الشهوات الفاحشة، التي تستخف النفس وتستفزها، وتأمل شهوة النظر المحرم، إذ تملك جارحة العين ابتداء ثم تتسلل إلى مستودع أسراره الإيمانية فتفسد حاله، وتوهن عقده الإلهي، وتوثقه برباط عشق فاسد لصورة ناقصة، هي في حقيقتها قبيحة، ولكن شياطين الإنس والجن يتولون زخرفتها لتروج على سذج العصاة ممن فرطوا في جند قلبهم، فلم يوفروها للغاية التي سمت إليها أصحاب الهمم العالية، همة: "وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير