تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك من الاستثناء المنقطع فلا يعرف إلا ما أشرب من هواه، على ما تقدم من تمكن الهوى من قلبه، فيقدر بـ: "لكن"، على وزان قوله تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)، فالمستثنى: "قيلا سلاما" ليس من جنس المستثنى منه: "لغوا ولا تأثيما" فلا يسمعون اللغو لكن يسمعون السلام تحية أهل الجنة، أو يقال بأنه من المدح الذي أريد به الذم، فالاستثناء من وصف السوء مظنة من تحقق وصف خير، ولو ضئيل، فجاء الاستثناء ليزيد وصف السوء بيانا وتقريرا، على وزان قولك: فلان ما فيه خير إلا أنه بخيل، فذلك ذم بعد ذم، بل هو آكد في الذم بإيهام المدح بالاستثناء.

قَالَ حُذَيْفَةُ: وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِكُ أَنْ يُكْسَرَ قَالَ عُمَرُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَكَ فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَادُ قُلْتُ لَا بَلْ يُكْسَرُ وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ: فشبه عمر، رضي الله عنه، بالباب الذي لا يفتح، بل يكسر قهرا، فلا يعود كما كان، فالكسر مئنة من الإكراه والغلبة، كما ذكر ذلك النووي، رحمه الله، في "شرح مسلم"، فذلك من جنس تشبيه أبي ذر، رضي الله عنه، له بقفل الفتنة، فلا يفتح، أيضا، وإنما يكسر قهرا، فعمر، رضي الله عنه، أمان من الفتن، فلا تجرؤ فتنة أن تطل برأسها في زمانه، وخبر صبيغ بن عسل على ذلك خير شاهد، فلا يطمع محدث في الديانة أن يزيد فيها وينقص وعمر لما يقبض، فأي رجل ذاك الذي اختاره الرب، جل وعلا، لهذا المنصب؟!، وأي شجاعة دينية وقرت في هذا القلب فارتج لها عرش كسرى وصاحبها يتوسد التراب في ثوب مرقوع؟!.

قد يدرك المجد الفتى وإزاره ******* خلق وجيب قميصه مرقوع.

والشاهد أن تشبيه عمر، رضي الله عنه، بالباب: من قبيل الاستعارة التصريحية فقد حذف المشبه وذكر المشبه به صراحة، وأجمل وجه الشبه لظهور معناه فلم يحسن إيراده، فالباب والقفل مئنة من الغلق والإحكام، فإذا كسرا دخلت الفتن، وقد كان، فقتل عثمان، رضي الله عنه، فكانت أول فتنة، ثم وقعت فتنة الجمل وصفين، ثم قتل علي، رضي الله عنه، ولم تزل الفتن الخاصة والعامة تتوالى حتى يومنا هذا، فينجوا آحاد وتهلك فئام، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم فألهمه سلوك طريق النبوات على جهة الاقتداء، فلا نجاة إلا باقتفاء الأثر على منهج السلف الذين صيروا القرآن المسطور، واقعا منظورا، فغيروا العالم القديم في سنوات معدودات بفتوحات أذهلت عقول المؤرخين المتأخرين لا سيما الغربيين الذين يغلب على فكرهم الطابع المادي لما أحدثته العلمانية في نفوسهم من إيمان مطلق بالسبب المحسوس، وإنكار مطلق للمشيئة العليا التي تدبر هذا الكون بمقتضى تلك الأسباب، فهي جملة من السنن الشرعية والكونية، فـ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، و: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، و: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، و: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) ..... إلخ، فتلك سنن كالسنن المنظورة من تعاقب الليل والنهار ودوران الكواكب حول الشموس ..... إلخ.

فلا تنفذ هذه السنن وتجري إلا بمشيئة الرب، جل وعلا، فهي عامة لا مخصص لها، وهي نافذة لا راد لها.

والله أعلى وأعلم.

ـ[سنهور]ــــــــ[05 - 06 - 2010, 10:37 ص]ـ

فتح الله عليك ومتعك بدوام الصحة وجزاك عن هذا خيرا

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 06 - 2010, 11:53 ص]ـ

وفتح عليك أيها الكريم ومتعك بالعافية وجزاك خيرا على المرور والتعليق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير