تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"، فذلك عند التأمل من أظهر دلائل نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أخبر عن غيب لما يقع في زمانه، فحذر منه، وأرشد إلى ما يجب على من حضرته فتنة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر الاستطاعة، وإلا فالعزلة، برسم الفقه والسنة، فلا عزلة إلا بعد علم لئلا يضل المعتزل بما يرد عليه من أحوال، فزماننا خير شاهد على صحة هذا الخبر، فهو تأويل صحيح له، فقد وقع كما أخبر به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل قد وقع من الفتن ما وقع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولما ينقض قرنه، خير قرون هذه الأمة، فبدأت الفتنة تطل بمقتل عمر، رضي الله عنه، ثم وقعت بمقتل عثمان رضي الله عنه. فالمقاربة من هذا الوجه ظاهرة فبين وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومقتل عثمان، رضي الله عنه، 24 سنة، وهي لا تساوي شيئا في عمر الأمم، ومع ذلك أنجى الله، عز وجل، هذه الأمة من تلك الفتنة وما بعدها، وإن لم ترجع إلى سابق عهدها، فما زال الأمر في انتقاص من لدن تمام الرسالة إلى يوم الناس هذا، فليس زمان، إلا وما بعده شر منه، وذلك أمر يظهر حتى في الأخلاق والقيم الاجتماعية فضلا عن المثل الشرعية، وإن كان الوعد، وهو، أيضا، من أخبار النبوة التي لما يأت تأويلها، قد جاء بظهور هذا الدين، فذلك الظهور الثاني بعد ظهوره الأول، وإن كان ظاهرا في كل عصر ومصر بحجته الدامغة، فهو: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا). والشاهد أن الفتن في هذه الأمة ليست كالفتن في غيرها، فهي مرحومة، حتى حال فتنتها، فينتقص من قدرها بظهور الأمم الأخرى عليها، ولا ينتقص من دينها، فقد تكفل الرب، جل وعلا، بحفظه، فلم يكل الرسالة الخاتمة إلى أهلها كما قد وكل ما تقدمها من الرسالات إلى أهلها، فوقع في علومها من التحريف زيادة ونقصانا ما وقع، ووقع في أعمالها من الغلو والجفاء ما وقع، حتى ضاع الحق، فروايته منقطعة، ودرايته مبتدعة، فلا نقل صحيح ليسلم بحروفه، ولا عقل صريح ليسلم بحدوده.

والكثير، كما قرر النحاة، اقتران خبر أوشك بـ: "أن" فهي تمحضه للاستقبال، فالخبر زمن التكلم، لما يقع تأويله بعد كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وقدم الخبر، تشويقا إلى معرفة ماهية المال الذي يمدح اتخاذه زمن الفتن، فوصف بالخيرية، فـ: "خير" مئنة من التفضيل وإن لم تجر على وزنه القياسي، كما قد ذكر النحاة ذلك في باب: "خير" و: "شر وما ألحق بهما كـ: "حب فأصلها: "أحب"، ثم حذف أولها تخفيفا، ثم جاء بيان ماهية هذا المال فهو: "غنم": قد نكرت مئنة من النوعية، ثم زيد في بيانها بقيد الوصف التالي لها: "يتبع بها": فالمضارع، أيضا، مئنة من الاستقبال، فلما يقع ذلك بعد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع سابق، وهو يدل، مع ذلك، على تجدد الفعل وحدوثه، فتلك حال متصلة باتصال زمان الفتنة التي تطول غالبا: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ)، وفتن زماننا خير شاهد على ذلك، فزمانها متصل وأيامها شديدة الوطأة، وحصار الأحزاب شرقا وغربا لأهل غزة مثال حي على ذلك لا يدرك حقيقته إلا من كابد مشقته، فليس من عوفي، ولو ظاهرا، كمن ابتلي، وليس من شبع وراح ينظر في الأمر نظر المحلل السياسي والخبير العسكري!، فيعدل ويجرح وهو لم يلق شيئا مما لقيه أصحاب الشأن، ليس من تلك حاله كمن جاع ونام في العراء، فليت أصحاب العافية الظاهرة يدعون أصحاب الابتلاء، فلا ينالهم شر ألسنتهم، إن لم يقدروا على معونتهم، فالسكوت ممدوح إن كان عن الشر، ولا شر من القدح فيمن يظن به الخير والدين، فتلك من الحيل النفسية التي يتسلى بها العاجزون عن القيام بأمر الديانة ليبرروا لأنفسهم تقصيرهم الذي فضحه صمود أهل الابتلاء، وتداعي أصحاب الضمائر الحية، ولو كفارا، إلى فك الحصار وإجلاء الأحزاب، أو بمعنى أصح: إحراجها لترفع الحصار، لا سيما الأحزاب التي تدعي لنفسها ما ليس لها من الشهامة والتضحية في سبيل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير