تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نصرة القضية، فقد أنست الناس بتخاذلها ما قد فعله من سبقها من ضروب النجدة لأهل تلك البلاد التي بارك الرب، جل وعلا، حول مسجدها، فعلى أولئك يصدق قول القائل:

إذا افتخرت بآباء لهم شرف ******* قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا.

وإما أن تصنع شيئا فتخرس ألسنة النقد، أو تخرس أنت إن كنت عاجزا لا تقدر على شيء!.

والمضارع، أيضا، ذريعة إلى استحضار تلك الصورة التي يصير فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عديم الجدوى، فيصح، عندئذ، تأول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، باعتزال الشأن العام سواء أكان ذلك بغنم أم بغيره، فالمعنى أعم من خصوص صورة تتبع شعف الجبال ومواقع القطر، وإنما ذكرت تلك الصورة لتقريب المعنى إلى ذهن المخاطب بإيراد صورة قريبة إلى ذهنه، فالعربي يدرك من صورة الرعي وتتبع مواضع الماء والكلأ ما لا يدرك غيره، فتلك صورة حية من بيئته، فحسن ضرب المثل له من واقع حياته، ليكون ذلك أرسخ في ذهنه، فذلك من قبيل ضرب المثل في معرض بيان أدلة الربوبية في نحو قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)، فتلك أمور يسهل على العربي في البيئة الصحراوية تأملها، فهي مفردات حياته اليومية إن صح التعبير، فيكون ذكر الغنم في الحديث جار مجرى ما سبقت الإشارة إليه مرارا من تفسير المعنى العام بذكر فرد من أفراده على سبيل التمثيل لا التخصيص، فذكر بعض أفراد العام في معرض التمثيل لا يخصصه، بل هو بمنزلة التعريف بالمثال، وهو أحد ضروب التعريف عند أهل النظر.

وقوله: "شعف الجبال" قد ورد بلفظين، فـ: "شعف": بالمعجمة، فهي أعلى الجبال، ولا إشكال فيها، و: "سعف"، بالمهملة، فقد ردها بعض أهل العلم فجعلها تصحيفا، وقبلها آخرون، فجعلوها من قبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، فقد استعير فيها السعف، فمكانه أعالي النخيل، فكذلك حال الراعي الذي يتبع بغنمه أعالي الجبال.

وأما قوله: "ومواقع القطر": فهو من قبيل الدلالة على المحل بما يحل فيه، فمواقع القطر هي بطون الأودية التي تتجمع فيها مياه الأمطار، فتلك من قبيل الكناية عن الموصوف، فتجري مجرى الكناية عن القلب بأنه مجمع الأضغان.

وأشار الحافظ، رحمه الله، إلى وجه تخصيص شعف الجبال وبطون الأدوية بالذكر دون بقية المواضع، فهي مظان المرعى، فينبت فيها الكلأ ما لا ينبت في غيرها.

ثم جاء الاستئناف على جهة التعليل لما قد سبق، فحسن الفصل فلا عاطف للتلازم الوثيق بينهما، فبين العلة والمعلول شبه كمال اتصال يسوغ الفصل، فالمخاطب قد تولد في عقله السؤال عن علة كون الخيرية في هذا الفعل، فجاء الجواب على جهة المضارعة أيضا مئنة من استحضار تلك الحال: يفر بدينه، فالباء تحتمل السببية، فيكون دينه هو سبب فراره من الفتن، وتحتمل المصاحبة، فيفر بدينه صيانة له من الفتن، وكلا الوجهين صحيح، فلا إشكال في حمل السياق عليه، بل ذلك هو الأولى عند عدم التعارض إثراء للمعنى، فكثرة الأوجه تزيد اللفظ بيانا، وكذلك الحال في: "من"، فتحتمل السببية إن حملت الباء على المصاحبة، فيفر بدينه بسبب الفتن، وتحتمل الابتداء، فابتداء غاية الفرار من الفتن، وتحتمل الجنسية، فيفر بدينه من جنس الفتن، وتحتمل التبعيض، فيفر بدينه من بعض الفتن دون بعض، فمن الفتن ما يقدر المكلف على الثبات فيها فلا يشرع له الفرار، بل الأولى في حقه البقاء لإرشاد الناس وبذل النصح لهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ومنها فتن عامة لا يقدر على الثبات فيها إلا آحاد الراسخين، فإن لم يقدر المكلف على الصمود إليها، فليفر بدينه إلى شعف جبال، ولو في قعر بيته!.

والله أعلى وأعلم.

ـ[امازيغية لله]ــــــــ[24 - 06 - 2010, 11:34 ص]ـ

جازاكم الله خيرا على الموضوع الثري

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 07 - 2010, 06:30 ص]ـ

جزاكم الله خيرا على المرور والتعليق ونفعكم ونفع بكم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير