تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن في العذاء المعقول: ذلك الوحي الجامع لمسائل الغيب من إلهيات وسمعيات، فما يأتي بعد من الأحداث الأرضية، من فتن وملاحم، والأحداث الأخروية من أهوال ومشاهد تظهر فيها معاني الحكمة والعدل، فيقتص للمظلوم من ظالمه، فذلك العدل المفقود في عالمنا بعد تنحية النبوات عن قيادة النوع الإنساني الذي يتخبط في دياجير الظلام فشبه علمية وشهوات عملية وتعد على الحرمات المعصومة من الدماء والأموال والأعراض المحفوظة فضلا عن انتهاك أعظم الحرمات: حرمة الديانة، بالقدح في الرب المعبود، تبارك وتعالى، قدحا صريحا، كما قد وقع من اليهود والنصارى ومن سار على طريقتهم في نفي صفات الكمال الذاتي والوصفي والفعلي عن الرب، جل وعلا، أو إثبات النقص له، فذلك من فساد العقل بمكان، فصاحبه قد نفى الواجب وأثبت المحال، أو بالقدح فيه، تبارك وتعالى، قدحا مبطنا، بالاعتراض على حكمته، ولو بالإشارة والإيماء، وعدم التسليم لحكمه الشرعي، فيقدم حكم غيره على حكمه، كما هي حال من: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)، ولكل من ضاهى الشرع المنزل بشرع مبدل من ذلك الذم نصيب، فالتشريع من آكد معاني الربوبية، كما تقرر مرارا، فهو داخل في حد: "ما" في صدر الآية: (لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فلمن ما في السماوات والأرض: تدبيرا كونيا بكلمات الخلق والرزق، وتدبيرا شرعيا بكلمات الوحي، فمنه، كما تقدم، الخبر، ومنه الحكم اللازم، فـ: (لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فالغذاء المعقول من كلمات الوحي المتلو المقروء أو الوحي المتعبد بمعناه دون لفظه من كلام المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كل أولئك، من آكد مظاهر الربوبية، التي تدل عليها لام الملكية في: "لمن"، فملكه، كما تقدم، ملك التكوين بالخلق، وملك التشريع بالأمر والنهي، فالأول يقابله: التصديق، والثاني يقابله: الامتثال، فتلك حقيقة العبودية الجامعة: تصديق بالخبر وامتثال للحكم فعلا للمأمور واجتنابا للمحظور، فذلك واجب العبودية في مقابل عطاء الربوبية بشتى أجناس الرزق المعقول والمحسوس، كما تقدم، فذلك من أدلة عناية الرب، جل وعلا، بعباده، فقد: كتب على نفسه الرحمة، فالرحمة معنى عام، يشمل الرحمات الكونية التي يظهر أثرها في الكون في إنزال وإنبات الأرزاق المحسوسة التي تنمو بها الأبدان، فتلك رحمة عامة تشمل المؤمن والكافر فـ: (مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، فهي رحمة: الرحمن، التي يرحم بها عباده، مؤمنهم وكافرهم في دار الابتلاء، فيجري عليهم الأرزاق، فهي في حق المؤمن موضع امتحان، يلقى جزاءه في دار الجزاء، وهي للكافر توفية حساب فـ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، فذلك من كمال عدله، تبارك وتعالى، فلا يظلم ربك أحدا، بل لم يحرم إبليس، مادة الشر في هذا العالم من هذه الرحمة فأنظر إلى يوم الوقت المعلوم، فذلك، أيضا، من عدل الرب، جل وعلا، فقد سبقت له أعمال حال إيمانه قبل أن يبلو الرب، جل وعلا، دخيلته بخلق آدم عليه السلام وأمر الملائكة وقد دخل في زمرتهم تغليبا، بالسجود له، فظهر كبره وحسده، فحبط به عمله، ومع ذلك وفاه الرب، جل وعلا، نصيبه في دار الابتلاء، فوسعته رحمة الرحمن، ولم تسعه وحزبه من شياطين الإنس والجان، رحمة الرحيم، فهي رحمة خاصة بالمؤمنين فالرب جل وعلا: (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)، فيختص برحمته من شاء أزلا، أن يصطفيه، فأصلح باطنه فصار محلا قابلا لكلمات الوحي، فاقتضت حكمته أن يضع مادة الإيمان في المحل الملائم لها، كما اقتضت حكمته أن يضع مادة الكفران في المحل الملائم لها، فلكل محل ما يلائمة من مادة الوحي الرحماني النافع، أو الوسواس الشيطاني الضار، فللرحمن، جل وعلا، أولياؤه، وللشيطان أوليائه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير