تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذه المعاني أفادتها صيغة الأمر في هذه النصوص مما يدل على أنها تُستعمل في عدة معان. والسؤال الذي يَرِد الآن هو: هل صيغة الأمر دلت على هذه المعاني كلها لغة بالاشتراك بينها فهي لفظ مشترك يدل على عدة معان ويُفهم المعنى المقصود بقرينة، أم أنها دلت على واحد منها حقيقة وعلى الباقي مجازاً؟

والجواب على ذلك هو: أن صيغة الأمر موضوعة لغة للدلالة على الطلب وليست موضوعة للوجوب ولا للندب ولا للإباحة ولا للتعجيز ولا لغيرها من المعاني المذكورة، بل موضوعة لمجرد الطلب ليس غير. وأما دلالتها على كل معنى من المعاني المذكورة فإنما كان بدلالتها على الطلب مع قرينة تبين المراد بالطلب، أي أن أصل الدلالة في الصيغة في هذه الجمل كلها حسب الوضع اللغوي إنما هي للطلب ليس غير. غير أن لفظ الطلب عام يشمل كل طلب، فجاء القرينة وبينت نوع الطلب المراد بصيغة الأمر. ففي هذه الجمل كلها دلت صيغة الأمر على الطلب المراد أي على معناها الذي وُضعت له في اللغة وجاءت إلى جانب الطلب قرينة دلت على المارد بالطلب في الجملة أي على عن الطلب هل هو جازم أم طلب غير جازم أم طلب تخيير أم طلب للتعجيز أم طلب للإهانة وغير ذلك.

وعلى هذا تكون المعاني المذكورة هي المعاني المرادة بالطلب أي نوع الطلب، وليست هي معاني صيغة الأمر. فصيغة الأمر جاءت بالطلب كما هو وضع اللغة واقترنت بقرينة دلت على المراد بالطلب، فكان مجموع صيغة الأمر مع القرينة هو الذي دل على الوجوب أو الندب أو الإباحة أو التعجيز أو الإهانة .. الخ. وأما الصيغة وحدها دون قرينة فإنما دلت على الطلب ليس غير ولا تدل دون قرينة على شيء غير مجرد الطلب مطلقاً.

ولا يقال إن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب مجاز في الباقي، لأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وُضع له في اصطلاح التخاطب، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له لقرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي. واصطلاح التخاطب هنا هو اللغة العربية، وصيغة الأمر لم توضع في اللغة الوجوب وإنما وُضعت للطلب ليس غير، فهي إذن ليست حقيقة في الوجوب لغة، وكذلك ليست حقيقة في الندب أو في الإباحة ولا في التعجيز ولا في الإهانة، ولا في أي معنى من المعاني المذكورة في الجُمل السابقة لأنها لم توضع لأي معنى من هذه المعاني لغة، فلا تكون حقيقة فيه. وكذلك ليست هي مجازاً في المباح على غرار "رأيتُ أسداً في الحمام"، لأن صيغة الأمر لم تُستعمل في غير ما وُضعت له لقرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي، بل استُعملت فيما وُضعت له لغة في جميع الجمل السابقة وهو الطلب. فالندب والإباحة طلب كالوجوب، والتعجيز والإهانة طلب كالوجوب.

واستعمال صيغة الأمر فيها كلها كاستعمالها في الوجوب سواء بسواء من غير أي فرق بينها. وهي لم تستعمل في المعاني الأخرى وإنما جاءت قرينة إلى جانب الطلب دلت على المعاني الأخرى. فالمعاني الأخرى ليست لصيغة الأمر وحدها بل لمجموع صيغة الأمر مع القرينة، فقوله تعالى: (كلوا مما رزقكم) يفيد معنى الامتنان، وهذا المعنى لم يؤخذ من صيغة (كلوا) ولم يؤخذ من جملة (مما رزقكم) بل أُخذت من اقتران كلمة (كلوا) مع كلمة (مما رزقكم)، فقوله تعالى: (مما رزقكم) قرينة دلت على أن المراد ليس أمراً لهم بالأكل بل امتنان عليهم بما رزقهم، وقوله تعالى: (ادخلوها بسلام آمنين) يفيد معنى الإكرام، وهو إنما أفاد ذلك بقرينة (بسلام آمنين) إلى جانب قوله: (ادخلوها) أي الجنة.

وهكذا سائر المعاني، فإنها ليست لصيغة الأمر بل للصيغة والقرينة معاً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن القرينة هنا ليست مانعة من إرادة المعنى الأصلي وهو الطلب مثل قوله: "في الحمام" من جملة "رأيتُ أسداً في الحمام"، وإنما هي مبيِّنة لنوع الطلب أي المراد منه، ولهذا لم تكن مجازاً لأن المجاز فيه القرينة تمنع إرادة المعنى الأصلي، مثل: رأيتُ بحراً في المسجد. وعليه لا تكون صيغة الأمر مجازاً في تلك المعاني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير