تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 08 - 2010, 03:42 م]ـ

ومن نص آخر: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر".

فهو وعيد لثلاثة غير أولئك، يؤيد عدم اقتضاء الإطلاق في ذكر ثلاثة حصر الحكم فيهم، فذكرهم ليس قصرا، بل لا يمنع ذكر ثلاثة دخول ثلاثة غيرهم في الوعيد الذي جاء مطابقا للوعيد في الحديث السابق، فجاء السياق أيضا على حد الإجمال تشويقا فالبيان توضيحا:

شيخ زان: فقدم وصف الشيخوخة فهو محط الفائدة في ذم هذا الصنف، وإن قبح الزنى من كل أحد، ولكن قبحه يزيد في حق الشيخ فقد ضعف بدنه وانكسرت سورة شهوته وزهدت نفسه في أجناس الشهوات الحسية، فلم يبق له إلا اللذة الوهمية في شهوات معنوية من قبيل التعظيم، ولو نفاقا، كما نرى في تعظيم الزعامات الوهمية التي ابتلينا بها، فقد بلغت من العمر أرذله، وأصابها ما أصابها من العجز والخرف!، فضلا عما تحقق في عهودها الزاهرة من هزائم وانكسارات وترد للأوضاع الداخلية والخارجية، فصور الإخفاق شتى، ومع ذلك يظل أولئك أبطال المعارك الوهمية سياسية كانت أو عسكرية، فلا تدري الأمم ما كانت تصنع لولا أن من الله، عز وجل، عليها بهذه العبقريات التي أودت بها؟!، والشاهد أن تلك الشهوات قد تتصور في حق الشيخ الذي يدب دبيبا، فليس في بدنه قوة ليعالج شهوة محسوسة، ولو كانت مباحة، فالشيوخ، غالبا، أزهد الناس في شهوات المطعم والمشرب والمنكح والملبس .... إلخ، فقد ذاقوا لذاتها العارضة مرارا حتى أصابت أنفسهم السآمة والملل، فلسان حالهم لسان مقال لبيد:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ******* ثمانين حولا لا أبا لك يسأم.

فإن وقع من تلك حاله في الزنى، فذلك مئنة من رسوخ هذه الفاحشة في طبائعه، فيقع فيها طبعا لا شهوة، فالتكرار قد صيرها ملكة راسخة في نفسه، وبئس الملكة، فلم تعد حالا أو صفة، بل لا يكون فاعلها في تلك السن المتقدمة إلا مدمنا فلا تزيده الأيام إلا تعلقا بتلك الفعلة كمدمن المخدرات، فالشهوات، وإن كان العارض النفسي فيها أظهر، لا تختلف كثيرا عن المخدرات، وإن كان العارض الجسدي فيها أظهر، فمعنى الإدمان في كليهما ظاهر، والشاهد أن ذلك وجه اختصاص هذا الصنف من الشيوخ بهذا الصنف من الوعيد، وإن كان جنس الزناة متوعدا، ولكن الوعيد في حق بعض أفرده آكد، فالوعيد يتفاوت، بل قد يمتنع في حق بعض الأفراد دون بعض، فموانع نفاذ الوعيد قد تقوم بعاص فيمتنع في حقه، وإن نفذ في حق آخر، فالجهل والتأويل .... إلخ مما يرتفع به الوعيد، وتلك من صور العذر التي تدل على عظم رحمة الرب، جل وعلا، وتنكير لفظ شيخ مئنة من الإطلاق والنوعية، فنوع الفعل مذموم، بغض النظر عن عين الفاعل، والنوعية، كما تقدم، لا تستلزم نفاذ الوعيد في كل فرد، بل قد يمتنع في بعض دون بعض على التفصيل المتقدم.

ثم جاء ذكر الصنف الثاني: ملك كذاب:

فيجمعه مع الصنف الأول: انتفاء الداعي إلى ارتكاب المعصية التي تقبح من كل أحد عموما ولكنها تقبح ممن ليس له فيها حاجة خصوصا، فليس للملك، لا سيما إن كان جبارا في الأرض له من القوة الجائرة ما يقهر به رعيته ليحفظ ملكه العارض!، ليس له ما يضطره إلى الكذب الذي جاء على حد المبالغة، فهو أيضا: ملكة راسخة في نفسه، فوعود الرخاء المزعوم، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، هي رأس ماله، وكلها وعود تتألف بها النفوس الوضيعة والهمم الخسيسة، فلا يعنيها أن يضيع أمر الديانة، طالما التذت بالمطاعم والمناكح التي يشترك فيها الإنسان مع سائر أجناس الحيوان فذلك معقد الولاء والبراء الذي تلتف حوله الجماهير لتبايع ملوك الجور، وليتهم وفوا بشيء من ذلك مع خسته!، وإن كان حفظ المعايش غرضا رئيسا من أغراض الشريعة، فلا تعنى بأمر الآخرة وتهمل أمر الدنيا، كسائر الديانات الوجدانية التي تحقر من شأن الدنيا مطلقا، فتلك رهبانية لا تستقيم معها حياة، ولكن صيانة المعايش لا يعني تقديمها على أمور الديانة، فيبذل الدين طلبا لعرض زائل من أعراض الدنيا، فـ: "يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا"، فنكر العرض تحقيرا، فأول ما يبذله: دينه!، ومن شاء فلينظر إلى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير