تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاء الإطناب في وصف الله، عز وجل، بالموصول الذي دلت مادة صلته على علة الأمر بالسجود له، جل وعلا، والنهي عن السجود لهن: وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ: فمادة الخلق: مئنة من الربوبية، وهي، كما تقدم، علة استحقاقه، جل وعلا، منصب الألوهية فهو الرب إيجادا وتدبيرا، وهو الإله: عبودية وتشريعا، وفيه من القياس الصريح ما ينبه كل عقل صحيح، فهلا سجدتم يا من تعبدون الذوات الأرضية فتتوجهون إليها بصور السجود الحسي: كالسجود للأصنام والمشاهد، والمعنوي كالخوف والخشية من غير الله، عز وجل، على وجه يعتقد صاحبه ملك غيره، جل وعلا، الضر والنفع، على جهة الاستقلال، كما يقع من الغلاة في المعظمين من أهل الأرض سواء أكانوا عظماء حقا كالأنبياء وأولياء الرحمن وحال النصارى في غلوهم في المسيح عليه السلام وغلو طوائف من هذه الأمة في الأئمة من آل البيت عليهم السلام والأولياء خير شاهد على ذلك، أم كانوا غير ذلك كالسحرة والكهان والمشعوذين وأولياء الشيطان والطواغيت الذين شرعوا من الدين ما لم ياذن به الله ومن جملته ما أحدثه أرباب الشرائع الوضعية من أحكام تضاد بل تناقض أحكام الوحي، فهلا سجدتم للذي خلق أولئك، فكلهم من جملة خلقه الخاضع لأمره، فـ: (مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)، فالسجود له واجب من باب أولى، إن صح على سبيل التنزل مع الخصم فرض مشروعية سجودهم لغير الله، عز وجل، فالخالق أولى بالسجود من المخلوق بداهة، فتلك مسلمة عقلية بدهية لا يماري فيها إلا جاهل أو مسفسط.

ويشير ابن القيم، رحمه الله، في إلى طرف من مسلك أولئك الضلال في "زاد المعاد" بقوله:

"جاء شيوخُ الضلال والمزاحِمون للربوبية الذين أساسُ مشيختهم على الشِّرك والبدعة، فأرادوا مِن مريديهم أن يتعبَّدوا لهم، فزيَّنوا لهم حَلْقَ رؤوسهم لهم، كما زيَّنوا لهم السجودَ لهم، وسمَّوه بغير اسمه، وقالوا: هو وضعُ الرأس بين يدى الشيخ، ولعَمرُ الله إنَّ السجود لله هو وضعُ الرأس بين يديه سبحانه، وزيَّنوا لهم أن ينذُروا لهم، ويتوبُوا لهم، ويَحلِفُوا بأسمائهم، وهذا هو اتخاذُهم أرباباً وآلهةً مِن دُونِ الله، قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوْا عِبَاداً لِّى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً، أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 79 - 80].

وأشرفُ العبودية عبوديةُ الصلاة، وقد تقاسمها الشيوخُ والمتشبهون بالعلماء والجبابرة، فأخذ الشيوخُ منها أشرفَ ما فيها، وهو السجود، وأخذ المتشبهون بالعلماء منها الركوعَ، فإذا لقي بعضُهم بعضاً ركع له كما يركع المُصَلِّى لربه سواء، وأخذ الجبابرةُ منهم القيامَ، فيقوم الأحرار والعبيد على رؤوسهم عبوديةً لهم، وهم جلوس، وقد نهى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الأُمور الثلاثة على التفصيل، فتعاطِيها مخالفةٌ صريحة له، فنَهى عن السجود لغير الله وقال: "لا يَنْبغِى لأَحَدٍ أنْ يَسْجُدَ لأحَدٍ". وأنكر على مُعَاذٍ لَمَّا سَجد له وقال: "مَهْ". وتحريمُ هذا معلوم من دينه بالضرورة، وتجويزُ مَن جَوَّزه لغير الله مُراغمَةٌ للهِ ورسوله، وهو من أبلَغِ أنواع العبودية، فإذا جَوَّز هذا المُشرِكُ هذا النوعَ للبَشَر، فقد جوَّز العبودية لغير اللهِ". اهـ

ويقول في موضع آخر في "الجواب الكافي":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير