تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن كل ما تقدم من صور ربوبية التكوين والتشريع في مقام الامتنان على العباد بآثار صفات ربوبية الجمال خلقا وتدبيرا، كل ذلك مما حسن معه الإتيان بلفظ: "الرب"، فهو مظنة الإعطاء، كما تقدم، فلم يأت بلفظ: "الإله" فهو، وإن دل على عطايا الربوبية، إلا أن دلالته عليها ليست دلالة مطابقة كدلالة الرب عليها، بل هي من قبيل دلالة اللزوم، فالإله هو المعبود، فدلالته على توحيد المعبود بحق، جل وعلا، بأفعال العباد على جهة الاستسلام والانقياد بالطاعة باطنا وظاهرا، فلا يكفي محض التصديق الباطن فذلك مما تحقق في قلوب كثير من الكافرين، بل لا بد من شفعه بعمل القلب فهو حجر الزاوية في مسألة الإيمان، فلا يتصور إيمان منج سواء أكان كاملا يخرج صاحبه من دائرة الوعيد ابتداء، أو ناقصا يدخل صاحبه في دائرة الوعيد دون أن يخلد فيه، لا يتصور إيمان بدون عمل القلب من: توكل ومحبة ...... إلخ من العبوديات التي تتعلق بالرب، جل وعلا، أو: ولاء وبراء ونصرة لأهل الحق وغيرة على دمائهم وأعراضهم أن تستباح أو تنتهك كما هي الحال في زماننا سواء في ديار الكافرين وأخيرا في ديار المسلمين!، وامتناعا عن ضد ذلك من خذلانهم، والمكر والتربص بهم، وإفشاء سرهم إلى عدوهم ومد يد العون إليه ليقتل منهم ويأسر .... إلخ من صور الردة الصريحة وإن زعم صاحبها أنه مسلم بل مؤمن!، فلازم الأمر بنصرتهم إيجابا، النهي عن خذلانهم تحريما فالأمر بالشيء نهي عن ضده وذلك من اللزوم العقلي الضروري بمكان فعمل القلب الذي أهمل في زماننا مع أنه هو الباعث على كل خير ظاهر، عمل القلب هو أصل كل عمل فهو في نفسه عمل، وهو معدن كل عمل فعنه تتفرع أعمال الجوارح، فإن كان صلاحا فبرسم الصلاح، وإن كان فاسدا فبرسم الفساد فـ: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب"، وإلى هذا المعنى الجليل أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله: "كل مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، وذلك عمل بل هو أصل العمل، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، غير شاكين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب من حب ما جاء به والرضا وإرادته، والموالاة والمعاداة عليه، فلا تهمل هذا الموضوع فإنه مهم جداً، به تعرف حقيقة الإيمان". اهـ

فلا ينفع تصديق مجرد عن لازمه القلبي من الانقياد الباطن رضا وقبولا ومحبة، والانقياد الظاهر قولا وفعلا.

فالتلازم، كما تقدم مرارا بين المسائل العلمية الباطنة والمسائل العملية الظاهرة: تلازم وثيق، فلا بد أن ينضح الوعاء الباطن بما فيه من التصورات والإرادات إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والشاهد أن دلالة لفظ "الإله" على توحيد المعبود بحق جل وعلا: دلالة مطابقة، ولن يكون المعبود كذلك إلا إذا كان هو الخالق الرازق المدبر لأمر العالم بكلمات الكون، الباعث للرسل بكلمات الشرع ...... إلخ من وظائف الربوبية التي لا تقبل الشركة أو المنازعة، فيدل وصف الألوهية على وظائف الربوبية: لزوما، فحسن من هذا الوجه الإتيان بلفظ الرب، لدلالته مطابقة على أفعال الربوبية فهي من جملة التوحيد العلمي للرب جل وعلا بإفراده بأفعاله من خلق وتدبير، دون لفظ: "الإله" لدلالته على ذلك لزوما، ودلالة المطابقة أقوى من دلالة اللزوم كما قرر ذلك أهل النظر.

وأضيف الاسم إلى ضمير الجمع، فذلك من صيغ العموم القياسية، كما قرر ذلك أهل الأصول، وهو آكد في تقرير عموم المنة الربانية على سائر البرية، فنعمه الكونية قد عمت كل كائن، ونعمه الشرعية قد ذاق حلاوتها كل مؤمن بالنبوات بتصديق خبرها وامتثال أمرها، فهو، كما تقدم، تأويل التصديق، فتأويل الخبر: تصديقه، وتأويل الأمر: امتثاله، والامتثال من وجه آخر: تأويل للخبر، فلا ينفك خبر، وعدا كان أو وعيدا، نصا في بيان صفات الجمال الربانية أو صفات الجلال الإلهية، كهذا النص، فهو خبر يبين جملة من صفات الجمال الربانية، لا ينفك، وإن كان خبرا محضا، عن دلالة إنشائية، فمعاني الوعد فيه ظاهرة، والوعد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير