تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يحمل المكلف على إنشاء الطلب بسؤاله الرب، جل وعلا، بلوغه، فإذا علم العبد أن ربه: حيي كريم، فإنه سيدعوه لزوما، فيكون تأويل تصديقه بالخبر: إنشاء الطلب، فيؤول السياق الخبري: إن ربكم حيي كريم، إلى سياق إنشائي طلبي: ادعوا ربكم فهو حيي كريم، فينزل الخبر منزلة العلة للإنشاء، فادعوا ربكم إنشاء وعلة ذلك أنه: أخبر عن نفسه بأنه حيي كريم، وكذلك الشأن في أي نص وعيد، أو بيان لجملة من صفات الجلال الإلهية، فلا ينفك، أيضا، عن دلالة إنشائية، فمعنى الوعيد على الضد من معنى الوعد يحمل المكلف على إنشاء الطلب بسؤال الرب، جل وعلا، فواته لا بلوغه كالوعد، فيطلب العبد الفرار من الوعيد إلى الوعد، ويستعيذ بصفات الجمال من صفات الجلال، فـ: "اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".

وهكذا كل خبر جاء به الوحي، أو أمر شرعه إيجابا أو تحريما، فلا بد له من جهات تأويل يظهر بها الصادق من الكاذب، فتأويل الإيمان بالتصديق المجرد عن الفعل هو الذي هون أمر الإيمان عند كثير من الناس، فصار كلمة تبذل باللسان، وإن وقع قائلها في جملة من نواقضها، وذلك الادعاء يسير على كل أحد، فقد ادعاه أبو جهل: "لله أبوك لنعطيكها وعشرًا أمثالها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله، فنفروا من ذلك وقاموا، وقالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ "، فكان أفقه من كثير من أهل زماننا، فتوقف وأبى التلفظ بها لما يعلمه من شروطها ولوازمها، وذلك مما يعارض مشتهياته وينقض رياساته، برد الأمر التشريعي إلى الرب العلي، جل وعلا، كما رد إليه الأمر الكوني خلقا وإيجادا، فلم يكن أبو جهل يخشى الإقرار بالربوبية، فذلك أمر لا يهدد سلطانه الجائر، ولكنه كان يخشى الإقرار بلازمها من الألوهية خضوعا وانقيادا للوحي، فذلك تأويل الإقرار الباطن، إن كان صاحبه صادقا، فلا يكفي محض النطق حتى يواطئ الفعل القول، فيواطئ فعل القلب محبة وانقيادا قول القلب تصديقا، ويواطئ فعل البدن صلاة وزكاة وصياما وحجا وجهادا وتول للمؤمنين بنصرتهم وتبر من الكافرين بعداوتهم ....... إلخ، يواطئ فعل البدن، أيضا، قول القلب، ويواطئ فعل اللسان ذكرا وتلاوة وذبا عن الديانة بجهاد أعدائها بالحجة والبرهان، يواطئ قول اللسان، فتجتمع أجزاء الإيمان لتكتمل صورته العلمية والعملية فتلك هي الصورة الصادقة في دار الابتلاء، والصورة المنجية في دار الجزاء، وبكمالها يكون الأمن في الدارين، وإن خوف البدن وقهر، فـ: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ)، وبنقصانها يصير صاحبها من أهل الوعيد الجزئي بالعذاب المؤقت إن ترك واجبا أو فعل محرما، أو أهل الوعيد الكلي بالعذاب المؤبد إن ترك ما يكفر بتركه، أو ارتكب ما ينقض أصل الإيمان في قلبه من قول أو فعل ظاهر أو باطن، فلن ينفعه التصديق المجرد، فذلك تصديق أبو جهل كما تقدم.

ثم جاء الثناء على الرب، جل وعلا، بما هو أهله، من البركة والعلو: "تَبَارَكَ وَتَعَالَى"، على جهة الاعتراض بخبر أريد به أيضا إنشاء دعاء الثناء.

ثم جاء المسند عقيب التشويق بتقديم التوكيد والمسند إليه، جاء بوصف الجمال الرباني: حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ:

فتلك من الصفات المشبهة التي تدل على ثبوت الوصف للرب، جل وعلا، على جهة اللزوم، فتلك دلالة الصفة المشبهة في لسان العرب، فتشتق لغة من الفعل اللازم، ولزومها الوصفي من لزومه العملي فلا يتعدى إلى مفعوله بنفسه، وصفات الجمال ثابتة للرب، جل وعلا، على جهة اللزوم، فلا تنفك عن ذاته القدسية، ولا يتصور عدم قيامها به، جل وعلا، بحال، بل لم يزل، جل وعلا، متصفا بها أزلا، وسيبقى متصفا بها أبدا، كما قد سبق في معرض تقرير وصف الغنى الذاتي الثابت له، جل وعلا، أيضا، على جهة اللزوم، فالوصف الذاتي: ثابت على جهة اللزوم للذات القدسية، فلا يتصور، كما تقدم، انفكاكه عنها، بحال، فمثله في ذلك مثل وصف الحياة، فهو وصف ذاتي، بل هو أصل كل صفة ذاتية كانت أو فعلية، فلا يتصور انفكاكه عن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير